وزير التجارة يلقي بقنبلة دون تحديد المسؤوليات

+ -

 ألقى وزير التجارة، بختي بلعايب، قنبلة حقيقية، لا يمكن تحديد تبعاتها في الوقت الراهن، حينما قدر قيمة التحويلات غير القانونية للعملة الصعبة عن طريق التعاملات التجارية الخارجية، بنسبة 30 في المائة من إجمالي التحويلات. ورغم عدم تحديد المسؤوليات في مثل هذا النزيف الخطير، فإن لرد فعل الوزير خلفيات ودلائل عديدة، تصب في انتقاد ضمني لعجز هيئات ومؤسسات تناط إليها مهمة المراقبة والمصاحبة والمتابعة، خاصة أن القيمة المعلن عنها كبيرة جدا وتضاهي حجم واردات العديد من البلدان النامية.و حدد وزير التجارة نسبة 30 في المائة من حصة التحويلات كفواتير مضخمة، وتثير هذه النسبة نقاط ظل وتساؤلات عديدة، كونها تمثل، من إجمالي قيمة الواردات المسجلة سنة 2014، مثلا، والمقدرة بـ58,8 مليار دولار، أكثر من 17,6 مليار دولار، إذ كيف لمسؤول قطاع التجارة أن يحدد نسبة بمثل هذه الضخامة، في وقت يفترض أن عمليات التجارة الخارجية والتحويلات المالية تخضع لرقابة قبلية وبعدية من قبل عدد من الهيئات، بداية ببنك الجزائر ومصالح الجمارك. هذه الأخيرة تقوم أيضا بتحديد معدلات الأسعار المعتمدة والقيمة الخاصة بالسلع المستوردة، ويتم بناء على ذلك النظر في إمكانية تخفيض أو تضخيم الفواتير والقيمة المعلن عنها للجمركة، فيما يفترض أن تنسق هيئات ومؤسسات أخرى، منها البنوك، في مثل هذه العمليات، قبل فتح الاعتمادات المالية والقروض، سواء تعلق الأمر بالتحصيل المستندي أو الاعتماد المستندي.وإذا صحت هذه التقديرات التي يبقى التحقق منها صعبا، فإن المسؤولية تقع على مجمل سلسلة المراقبة، لاسيما أن القيمة المالية المقدرة ضخمة جدا، إذ أين هي مهام ومسؤولية الرقابة، لاسيما أن مثل هذه القضية سبق أن أثيرت مرارا، ولكنها تعود إلى السطح اليوم بتقديرات أكبر. ولتحديد مدى أهمية الحجم أو القيمة المعلن عنها لما اعتبر تهريبا، إن صح التقدير، فإننا نلاحظ، على سبيل المقارنة، أن القيمة تفوق نسبة 85 في المائة من إجمالي واردات تونس المقدرة سنة 2014 بحوالي 20,7 مليار دولار، كما تمثل ثلاث مرات القيمة الإجمالية لواردات دولة موريتانيا التي قدرت بحوالي 4,5 مليار دولار.وبغض النظر عن لغة الأرقام، فإن تصريح وزير التجارة يطرح العديد من الإشكاليات، لأنه يعكس اختلالات كبيرة في كافة السلسلة التي تسير التجارة الخارجية، بل أنه اعتراف بالعجز في التحكم في مسارات هذه التجارة التي تعاني من تلاعبات المتعاملين في الممارسة، ولكن أيضا قصور المؤسسات والهيئات الرقابية، ولكنه بالمقابل، يدفع الهيئات التشريعية بالخصوص إلى مساءلة المسؤول عن قطاع التجارة حول كيفية تقدير مثل هذه النسبة، وإذا كانت معلومة، فلماذا لا تتم مواجهتها بما يضمن وقف مثل هذا النزيف الخطير في فترة تعاني الجزائر من شح في الموارد، وتقوم بإلغاء المشاريع التي كانت ستعود بالنفع على المواطن البسيط الذي يدفع فاتورة أخطاء تقديرية للحكومات المتعاقبة في تسيير الموارد المالية المتأتية أساسا من المحروقات.فمجرد تحديد النسبة يعني أننا قمنا بتحديد مصدرها والذين يقفون وراءها وتحديد الأساليب المعتمدة، علما أن نصيب القطاع العمومي في عمليات التجارة الخارجية معتبر أيضا، ناهيك عن الهيئات التابعة للدولة أيضا، فأين يكمن الخلل أم أن مثل هذه التصريحات استباقية لضمان تبرير التدابير والإجراءات التقييدية التي ستعتمد في مجال التجارة الخارجية، على رأسها رخص الاستيراد. فمشكل الجزائر لا يكمن، في الجوهر، في ارتفاع قيمة الواردات لأنها، مقارنة بالعديد من البلدان النامية والصاعدة، متواضعة، بل في عجز الجزائر عن تنويع صادراتها وضمان نسبة كبيرة من الصادرات خارج المحروقات، والتي تضمن بدورها توازنا مقبولا بين الواردات والصادرات.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: