+ -

حوّل الكثير من أصحاب السكنات الخاصة والفيلات في المدن الكبرى محيط بيوتهم إلى منطقة محرمة، محاصرة بالحجارة والحواجز الإسمنتية وسلاسل حديدية وحتى المزهريات الكبيرة، فقط من أجل منع أصحاب المركبات من ركن سياراتهم في المساحة المحيطة بمساكنهم.لا يتورع الكثير من المواطنين في احتكار و”خوصصة” مساحات عمومية مشتركة كالطرقات والأرصفة وحتى الأزقة والممرات، ومنع الآخرين من حقهم في استعمالها، ويدفعهم إلى ذلك تغاضي السلطات المحلية وحتى الأمنية غن القيام بواجبها تجاه المواطن الباحث عمن يؤمّن له الحق الطبيعي في ركن سيارته أو قضاء حاجياته دون أن ينازعه في حقوقه أي شيء.الحديث عن غياب مواقف خاصة بركن السيارات في العاصمة أمر ليس بالجديد، ومشكلة يعيشها يوميا أصحاب السيارات الذين يعانون الأمرّين لإيجاد مكان لركن مركباتهم عند الذهاب لمقرات عملهم وحتى عند قضاء حوائجهم. ولعل ما زاد الطين بلة “الحصار” الذي يفرضه بعض أصحاب المساكن الخاصة، الذين يمنعون أصحاب المركبات من الاقتراب من محيط سكناتهم بأي وسيلة، حتى وإن كانت السيارات لا تعيق مرآب صاحب البيت.فالمتجول في أحياء حيدرة والأبيار والقبة بالجزائر العاصمة وحتى بعض الأحياء الشعبية، يلاحظ “المتاريس” والقوالب الإسمنتية وحتى القطع الحديدية في محيط الكثير من البيوت لمنع ليس فقط الغرباء عن الحي من الاقتراب من المكان، بل وحتى أبناء الحي، وهو الحال في أحد أحياء بوزريعة في أعالي العاصمة، حيث حوّل صاحب فيلا المساحة المحيطة ببيته إلى “منطقة محرمة” بالبراميل المعبأة بالإسمنت والقطع الحديدية “ركن السيارة أمام مقر سفارة الولايات المتحدة أسهل من الاقتراب من بيته”، يقول أحد أبناء الحي.وأضاف محدثنا الذي يقع بيته بجوار بيت هذا الأخير أن جاره استحوذ على مساحة تكفي لركن ثلاث سيارات، رغم أنه يملك سيارة واحدة ونادرا ما يتنقل بها، ويقول: “والأدهى أن الوسائل التي وضعها لمنع ركن الآخرين لسياراتهم تسببت للكثيرين في ثقب العجلات بسبب الحاجز الحديدي، أو كسر الأضواء الخلفية عند الاصطدام بالبراميل المملوءة بالإسمنت”.ولم تمنع الشكاوى المتكررة لسكان الحي من ردع هذا الأخير، “فرغم أن مصالح البلدية قامت بتغريمه مرة وتم منعه من احتلال الطريق بحكم أن القانون يمنع هذا، إلا أنه لم يلبث أن عاد إلى سلوكه”.الأمر نفسه تشهده أغلب أحياء حيدرة بالعاصمة، فالظفر بمكان لركن السيارة قرب الفيلات وحتى العمارات المتواجدة بالحي أشبه بمهمة مستحيلة، “فهي حرب نعيشها يوميا مع أصحاب المساكن”، مثلما تقول موظفة في بنك بحيدرة. وتضيف المتحدثة نفسها: “تصوري أنه في الأيام التي بدأت أعمل فيها في المكان، ولم أكن أعرف ما ينتظرني، ركنت سيارتي قرب إحدى الفيلات بعيدا طبعا عن مرآب صاحب البيت، وعندما عدت في المساء لأخذ سيارتي وجدت العجلة الأمامية فارغة من الهواء، ونصحني بعض شباب الحي بأن لا أركن سيارتي في المكان مجددا لأن صاحب الفيلا يقوم بهذا الأمر مع كل شخص يقترب من جدار بيته! ولا يقتصر هذا السلوك على أصحاب الفيلات وسكان الأحياء “الراقية”، فالعدوى انتقلت أيضا إلى الأحياء الشعبية، مثل باش جراح وبلوزداد وباب الوادي، مثلما حدث مع صاحب سيارة ركن سيارته الجديدة بجوار بيت في أحد أحياء باب الوادي، واضطر لإبعاد حاجز إسمنتي لأنه لم يجد مكانا لركن سيارته وكان متأخرا عن موعد عمله، وعندما عاد بعد ساعة من الزمن وجد أن أحدهم قام بخدش أبواب سيارته.كراسٍ وصناديق بلاستيكية تفي بالغرضلم تعد شوارع مدن تيبازة تخلو من مظاهر وتصرفات مقلقة لراحة السكان، خصوصا مع تعمد وتنافس ملاك العقارات السكنية المطلة على الشوارع الرئيسية والطرقات الفرعية نصب حواجز معدنية وحتى إسمنتية من أجل تضييق الهوامش والأماكن الواقعة على أطراف الطرقات بنيّة واضحة، وهي عرقلة أي شخص تدفعه الحاجة والضرورة إلى ركن مركبته بمحاذاة تلك التجمعات الحضرية.من خلال المعاينة الميدانية، اتضح لنا أن لهذه الممارسات دوافع تجارية، خصوصا حينما يتعمد بعض أصحاب المحلات والدكاكين وحتى أصحاب الأنشطة الحرفية وبعض مكاتب الخدماتية البسيطة تثبيت الكراسي ووضع الصناديق البلاستيكية على طول الواجهات التي تطل عليها محلاتهم، وبداعي إتاحة الفرصة وتمكين “زبائنهم” من التوقف السلس، وتبقى تلك المساحات محجوزة على مدار الساعة، حتى ولو لم يظفر هؤلاء بزبائن. والأدهى أن هذه الممارسات تتم أمام مقرات رسمية وعلى مقربة من مصالح البلديات والدوائر، وبعضها محاذٍ لمقرات فرق الدرك الوطني والأمن، كما هو الحال في شرشال، حجوط، فوكة، القليعة، بواسماعيل، دواودة وعاصمة الولاية بشكل خاص.ويتم ذلك في شكل مخالف تماما للإجراءات الإدارية التي تقتضي من أصحاب الأنشطة والمكاتب والمحلات طلب ترخيص من مصالح البلديات من أجل تخصيص أماكن للركن، ويتم تعليمها بإشارات مطابقة للقانون، ويدفعون مقابل تلك التخصيصات مبالغ مالية لفائدة خزينة البلدية، وتكون تلك الإجراءات غير مضرة بحق المواطنين في الفضاءات العمومية.الأطفال وكبار السن ضحايا الحواجزلا يقتصر هذا التصرف على الجانب التجاري، فالكثير من هذه التجاوزات تتسم بالمزاجية وأخرى كيدية، خصوصا الذين يتعمدون تثبيت أعمدة حديدية على حواف محيطهم السكني وكذا بعض الحبال والسلاسل، رغم ما تشكله من أضرار تصل إلى درجة تمزيق الإطارات المطاطية لعجلات أي مركبة تقترب منها وحتى الإضرار بهياكل السيارات والدراجات النارية، وقد تلحق أضرارا ببعض المارة وكبار السن وفئة الأطفال. وهذه المخاطر لا تحرك المسؤولين خصوصا أن بعض المسؤولين والمنتخبين لا ينتبهون لهذه الخروقات، بل يمنحون رخص استغلال تلك الشوارع كحظائر لفائدة مسبوقين ينشطون بشارات موسومة من طرف مصالح البلديات. ولأن أكبر معضلة تواجهها المدن الجزائرية هي غياب حظائر توقف السيارات، فإن هذه الممارسات المنافية للأخلاق والقانون تجعل مستعملي الطرقات بين سندان الغلق الفوضوي لمساحات الركن، وبين غياب فضاءات بديلة، فيضطر الكثير من السائقين إلى “الطواف” حول المدن من أجل الظفر ببضعة سنتمترات بغرض الوقوف أو التوقف، ويكون هذا على حساب  السيولة المرورية وعلى حساب راحة السائق طبعا.شوارع باتنة “تزينت”.. لكن بالإسمنتشوارع باتنة هي الأخرى “تزينت” بمختلف الحواجز، منها الحديدية والبلاستيكية وحتى الإسمنتية، سواء تلك المقابلة للمحلات التجارية أو السكنات على حد سواء.كما تفنن واضعو هذه الحواجز بمختلف الطرق والوسائل على أرصفة المشاة أو جوانب الطرقات، في لوحة فسيفسائية من الفوضى المنظمة.وأرجع الشاب “ح. ب” أسباب قيام بعض السكان بوضح الحواجز أمام سكناتهم إلى صعوبة إخراج سياراتهم من مستودع المنزل، حيث يصطدمون في غالب الأحيان بسيارات أخرى أمام مقر سكناهم، وهو الأمر الذي دفعهم إلى وضع هذه الحواجز للتخلص نهائيا من هذه المشكلة.وعلى عكس ذلك، قال أحد العمال بمدينة باتنة إن الطريق والرصيف عبارة عن مناطق عمومية ولا يحق لأي شخص التصرف فيهما بحرية، مستدلا ببعض اللافتات المرورية التي تسمح للسيارات بالوقوف والتوقف، في الوقت الذي يحرم هؤلاء الأشخاص السائقين من حقهم من خلال وضع هذه الحواجز، ما اعتبره اعتداء واضحا على القانون، مشيرا إلى بعض المناوشات التي تقع بين أصحاب المنازل والأشخاص الذين يركنون سياراتهم أمام هذه المنازل، كما لم يستثن أصحاب المحلات التجارية الذين يتسببون بدورهم في الكثير من المشاكل المرورية نتيجة الحواجز التي يضعونها أمام محلاتهم.وقد اتصلت “الخبر” برئيس بلدية باتنة من أجل الحصول على إفادة السلطات الوصية في هذا الموضوع، حيث أكد المسؤول أن مصالح البلدية تحركت أكثر من مرة من أجل القضاء على الظاهرة بشكل نهائي، إلا أنها اصطدمت برد فعل عنيف جدا من المواطن، رغم الصلاحيات التي تمتلكها البلدية، مجددا الدعوة لوزير الداخلية من أجل تخصيص شرطة البلدية التي تسند لها مثل هذه المهام، من أجل القضاء على هذا المشكل بصفة كلية، في الوقت الذي أشارت مصادر “الخبر” إلى قيام رجال الشرطة بمثل هذه الحملة مرة واحدة، من خلال مصادرة جميع الممتلكات المعروضة خارجا، إلا أن المصادر ذاتها استغربت عدم استمرار هذه العملية.ركن السيارة انشغال كاقتناء الخبز والحليبتحول التفكير في مكان توقيف السيارات بوسط مدينة سيدي بلعباس إلى انشغال حقيقي لدى مالكي المركبات كالتفكير في اقتناء الخبز والحليب مع كل صباح، وهو ما تعكسه صور تلك الطوابير المصطفة أمام الأرصفة قبيل موعد الالتحاق بالعمل، ما فسح المجال واسعا أمام ظهور أصحاب “الكوطات” من الحراس الذين عادة ما يتقاسمون “الغلة” في ما بينهم بحكم اتفاق مسبق يقضي بعدم تجاوز الحدود المرسومة لكل واحد من هؤلاء.بات مكان توقيف السيارة بوسط مدينة سيدي بلعباس هاجسا حقيقيا عجل بظهور “عادات” صعب على السلطات المحلية التحكم أو الفصل فيها، على غرار إقدام التجار وحتى مالكي العقارات على حجز جزء من تلك الطرقات عن طريق وضع أغراض صلبة، وهو ما يصنف في خانة “أول إنذار” موجه لأصحاب المركبات يجعلهم لا يفكرون حتى في الاقتراب من تلك المواقع، تفاديا للدخول في ملاسنات حادة أو في بعض الأحيان حتى مشاجرات عنيفة.فوضع السلالم والحجارة أو حتى صناديق من مختلف الأنواع والأحجام بات بمثابة “عادة حميدة” يلجأ إليها كل رافض لتواجد سيارة أمام مقر تجارته أو مسكنه، وهي الظاهرة التي فشلت حتى السلطات المحلية في التعامل معها أو وضع حد لظهورها مجددا، رغم الإجراءات الردعية المدونة على الورق.وفي هذا الصدد، تقول رئيسة لجنة أملاك الدولة على مستوى المجلس الشعبي البلدي لسيدي بلعباس، السيدة يوس صورية، حول الموضوع: “نحن نواجه صعوبات بالجملة في التعامل مع الظاهرة، لأن ذلك مرتبط بثقافة شعب وعادة لها ارتباط وثيق بطبيعة المجتمع نفسه. فالطريق عمومي وهو ملك من أملاك الدولة، لذا نلجأ عادة كلجنة إلى تنظيم خرجات ميدانية للحد من الظاهرة، حيث نوجه إعذارا لكل مخالف للقوانين السارية المفعول، على أن نوجه إعذارا ثانيا مع إصدار قرار بغلق المحل في حال ما إذا تمسك الفرد المعني بقرار “احتلال” الطريق المقابل لمقره التجاري”.المتحدثة أضافت قائلة: “صراحة نواجه مشاكل بالجملة في القيام بمهامنا لأنه يبقى من الصعب إقناع المواطن بتبعية الطريق للدولة باعتباره عموميا، مع أننا عادة ما نلجأ إلى الاستعانة بالقوة العمومية خلال عملية التنفيذ، تفاديا لأي خرجة غير محمودة العواقب من الأشخاص المستهدفين الذين يعدون بالمئات سنويا”.سكان منزعجونتعرف بلدية قسنطينة فوضى في الركن تتوسع بصفة كبيرة يوما بعد يوما. ورغم تواجد محطات خاصة أنشئت لامتصاص العجز المسجل في هذه الأخيرة، إلا أن ضيق المدينة وتزايد عدد السيارات حال دون تغيير الوضعية. يواجه العديد من أصحاب السيارات بقسنطينة مشكلة في ركن سياراتهم في مختلف الأحياء، خاصة منها تلك التي تعرف تواجد بناءات خاصة، حيث يعمد أصحابها إلى ترك حواجز على غرار البراميل الحديدية أو حتى الحجارة أمامها كتعبير لرفضهم ترك سياراتهم هناك حتى من أجل وقت معين قصد التبضع أو لقصد جهة معينة، وتظهر هذه الحالة خاصة في الصباح وقبل الساعة العاشرة، حيث يصبح أمر الحصول على مكان في الحظائر المرخصة أو العشوائية صعبا جدا ومستحيلا أحيانا أمام ملاحقات عناصر الأمن في حال التوقف في مكان غير مسموح به.ويلجأ بعض المواطنين لتفادي الفوضى الموجودة في وسط المدينة ببلدية قسنطينة التي تعد منطقة عبور ونشاط تجاري، إلى ترك سياراتهم في مناطق خارج نطاق دائرة الضغط بالقرب من المساكن أو المحلات التجارية، وهو الأمر غير المسموح به والمرفوض من قبل أصحابها، بحجة أن ذلك يزعجهم، وأن المكان مخصص لسياراتهم دون الغير، وهو ما يخلق أحيانا شجارات بين الطرفين تنتهي عادة بقيام صاحب المركبة بتحويل وجهة سيارته إلى منطقة أخرى خوفا من أن يطالها التخريب.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: