38serv

+ -

تنطلق، اليوم، بالمحكمة العسكرية بوهران، فصول واحدة من أكثر المحاكمات إثارة للرأي العام في الجزائر، بطلها الجنرال عبد القادر آيت وعرابي، المدعو الجنرال حسان. هذا القائد العسكري، الذي كان مديرا لمصلحة مكافحة الإرهاب في المخابرات الجزائرية، تحول فجأة إلى سجين يجر وراءه تهما ثقيلة قد تصل عقوبتها في حال ثبوتها إلى الإعدام. لم يصدق كثير من الجزائريين، ذات خميس من شهر أوت الماضي، خبر اعتقال الجنرال حسان من بيته بحي شوفالي بأعالي العاصمة، فالأمر يتعلق بإحدى أكبر الشخصيات النافذة في المؤسسة العسكرية، وتحديدا نواتها الصلبة، مديرية الاستعلام والأمن. لكن هذا الخبر الذي بقي لساعات في مستوى الإشاعة، سرعان ما تأكد ليتحول إلى قضية شغلت قطاعا واسعا من الرأي العام الوطني وحتى الدولي، واعتبرها البعض مؤشرا على تحول دراماتيكي في موازين القوى داخل مكونات النظام في الجزائر.حالة الذهول ازدادت مع ظهور التهم الموجهة للجنرال حسان، فالرجل الذي كان مستأمنا على حياة الجزائريين، واكتسب رمزية عالية بقيادته مصلحة مكافحة الإرهاب، الذراع القوي للمخابرات، خلال أدمى سنوات الإرهاب في الجزائر، أصبح متهما بتشكيل “جماعة أشرار مسلحة” و«التصريح الكاذب بخصوص مخزون السلاح الذي بحوزته”. وذكرت التفاصيل الأولية التي أوردتها وسائل الإعلام حادثة تعود إلى سنة 2012، تقول إن قوات الجيش ألقت القبض على جماعة مسلحة في منطقة صحراوية، وعند التحقيق معها ذكر عناصرها أن الجنرال حسان هو من سلحهم. ثم رد المدافعون عن الجنرال من محاميه، أن تلك العملية لم تكن سوى محاولة لاختراق جماعة مسلحة وكانت تحت علم قائده المباشر الجنرال توفيق.هذه التهم الأولية تلخصت بعد ذلك في تهمتين قانونيتين وفقا لقانون القضاء العسكري، هما “مخالفة تعليمات عسكرية” و«إتلاف وثائق عسكرية”، سيدافع الجنرال حسان عن براءته منهما في المحاكمة التي تنطلق اليوم بوهران. وقد صاحب اعتقال الجنرال حسان جدل قانوني حول المحكمة صاحبة الاختصاص في محاكمته، وقد اختيرت في الأخير محكمة وهران على اعتبار أن القانون يفرض عدم مثول أي ضابط تفوق رتبته درجة النقيب أمام المحكمة المختصة في الناحية العسكرية التي يعمل بها، وعلى هذا الأساس استبعدت المحكمة العسكرية بالبليدة، وتم اختيار وهران بأمر من نائب وزير الدفاع، الفريق ڤايد صالح، وفق ما ذكر مختصون. بيد أن الجدل القانوني لم يكن ليخفي قراءات سياسية مختلفة حول اعتقال الجنرال حسان، فالحادثة جاءت لتعزز طرح المؤمنين بوجود صراع عصب داخل السلطة، خاصة بين مؤسستي الرئاسة والمخابرات، باعتبار أن الاعتقال جاء في سياق تغييرات واسعة يقوم بها الرئيس بوتفليقة في مديرية الاستعلام والأمن، بلغت أوجها في 13 سبتمبر الماضي بتنحية الفريق محمد مدين، المدعو الجنرال توفيق، من قيادة مديرية الاستعلام والأمن التي قضى بها 25 سنة، في حدث اعتبر تاريخيا في الجزائر.غير أن رئاسة الجمهورية بعد كل الضجة التي أثارها “مصير الجنرالات” في الجزائر، اضطرت للخروج عن صمتها نافية أي أفعال انتقام ضدهم، وذكرت في بيان لها أن ما يجري جاء “في سياق حركة إصلاحات أمنية وسياسية واسعة بوشرت في سنة 2011 برفع حالة الطوارئ وتنفيذ عدة قوانين ذات بعد سياسي”.وكانت أخطر التأويلات المتداولة حول الاعتقال الذي تعرض له الجنرال حسان، والجنرال حسين بن حديد، القائد السابق للناحية العسكرية الثالثة ومستشار الرئيس السابق اليمين زروال، تعتبر أن ما حدث جاء بدافع الانتقام منهما بسبب قرب الأول الشديد من قائد المخابرات ودفاع الثاني المستميت عنه إعلاميا ومهاجمته شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، واتهامه بالسعي إلى توريث الحكم. لهذا السبب طلبت، على ما يبدو، شهادة الجنرال توفيق في القضية، الذي ينتظر الجميع أول ظهور “علني” ولو على نطاق ضيق، لأن المحاكمة تجري بعيدا عن وسائل الإعلام.الجنرال حسان.. من الاستخبارات إلى السجن يعتبر الجنرال عبد القادر آيت وعرابي واحدا من كبار القادة الأمنيين في الجزائر، فقد تدرج في المسؤولية إلى أن تولى منصب مدير مصلحة مكافحة الإرهاب التي ارتبط اسمه بها. الجنرال حسان، من مواليد العاصمة وتنتمي عائلته إلى منطقة القبائل الكبرى. التحق بصفوف القوات البحرية التابعة للجيش الوطني الشعبي سنة 1963 وسنه لم يتجاوز 16 سنة، وقد قضى بها 7 سنوات، ثم غير وجهته داخل المؤسسة العسكرية إلى المديرية المركزية لأمن الجيش، حيث بدأ أول خطواته في عالم الاستخبارات. بعد مشوار عسكري طويل، وفي نهاية سنة 1998، تم تعيينه نائبا لمدير مصلحة التوثيق والأمن الخارجي، فأمضى في هذا المنصب 3 سنوات. وفي سنة 2001، عين مديرا للمركز الرئيسي للتحقيقات العسكرية. عين في 2006 بمرسوم رئاسي على رأس جهاز مكافحة الإرهاب المعروف اختصارا بـ«سكورات”، كمكافأة له على قيادته عدة عمليات أطاحت برؤوس المجموعات الإرهابية، وفي سنة 2008 تمت ترقيته إلى رتبة جنرال. وأحيل على التقاعد سنة 2014 بعد أن أثيرت ضده تهم خطيرة تتعلق بمخالفة أوامر عسكرية وإتلاف وثائق عسكرية. اعتقل في أوت 2015 بناء على هذه التهم وينتظر محاكمته اليوم أمام القضاء العسكري بوهران.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: