+ -

يعتبر سيد أحمد سري عملاق الفن الأندلسي وقاعدة مرجعية مهمة للموسيقى التراثية والكلاسيكية بالجزائر والمغرب العربي ككل، ومع أن مشواره الفني كان حافلا بالإنجازاتوصدى التكريمات والجوائز، فطالما أوحت حياته بالهدوء واتسمت بالبساطة. ولد سيد أحمد سري في 3 نوفمبر 1926 بحي القصبة في الجزائر العاصمة، استمد شغفه الموسيقي من جده لأبيه الذي كان مقدم فرقة العيساوة التي تأسست في القرن 15 من قبل سيدي محمد بن عيسى. تعلم القرآن ومبادئه، والإنشاد الديني، وحفظ القصائد على يد الشيخ البوزيري في المدرسة القرآنية.الموسيقى.. شغف وعشق أبدينماء موهبة الغناء لدى سيد أحمد سري ازدادت بعد التحاقه بالجمعية الأندلسية عام 1945، كذلك انضمامه لجمعية الحياة بين عامي 1945 و1946 التي ساهمت كثيرا في إثراء موسوعته الموسيقية. وفي العام 1946 انضم إلى الجمعية الجزائرية أخذا بنصيحة صديقه يوسف خوجة، ملتحقا بفصل المتفوقين تحت قيادة الأستاذ عبد الرزاق فاخرجي، غير أن طموحه لم يتوقف عند هذا الحد، بل ارتأى أن انتسابه لمعهد “الكونسيرفاتوار” لمدينة الجزائر سيحدث نقلة نوعية في مشواره الأندلسي.الإذاعة والتلفزيون..أولى محطات الشهرةأتاحت محطات الإذاعة واستوديوهات التلفزيون المجال لحافظ التراث الأندلسي لأن يبحر بفنه، متخذا أسلوب الصنعة راية وعنوانا لتبليغ الموسيقى الأندلسية للجمهور الذي يتذوق هذا النوع من الفنون. وفي 26 ديسمبر 1948، قام الأستاذ بودالي سفير، رئيس مصلحة البرامج الإذاعية باللغة العربية والأمازيغية، بمنح سيد أحمد سري فرصة للظهور كمطرب تصحبه فرقة “الصنعة”، ومنذ ذلك اليوم أصبح ظهوره في الإذاعة ثم التلفزيون دوريا، وهو ما زاد من شهرته ونجوميته في الأوساط الفنية عامة، والجمهور الذواق والمحب للموسيقى الأندلسية بصفة خاصة.مهام متعددة.. تكليف لا تشريفولعُ سيد أحد سري بالموسيقى الأندلسية قاده للعمل على حفظ التراث والتبليغ عن هذا الفن العريق الأصيل، وكانت أفضل طريقة لتحقيق حلمه تنشئة أجيال تعشق اللون الأندلسي الراقي، وتحافظ عليه كتاريخ يفتخر به، وأولى بداياته في اعتلاء المناصب كانت سنة 1952، حين شغل منصب أستاذ نائب عن الأستاذ عبد الرزاق فاخرجي بالجمعية الجزائرية الموصلية إلى غاية 1956، وكان مشرفا على الفصول التي ظلت وفية لهذه الجمعية، إضافة إلى مهامه التي شغلها من سنة 1970 إلى غاية 1980 كمدرس بالمعهد الوطني للموسيقى.وفي سنة 1972 تقلد منصب القيادة لنفس الجمعية أيام المهرجان الثالث للموسيقى الأندلسية الجزائرية، حيث قام من خلالها بتكوين فرقة موسيقية تعتبر من أقوى الفرق الموسيقية الأندلسية الحديثة في القرن العشرين، وعمل على قيادتها لمدة 15 سنة.ولم يثنه خروجه من الجمعية الجزائرية الموصلية سنة 1988 عن تأسيس جمعية جديدة أطلق عليها اسم “الجزائرية الثعالبية” التي ذاع صيتها داخل الوطن وخارجه، وذلك بتنظيمها لجولات فنية متميزة، إلا أن حلم هذا المشروع لم يستمر وتوقف نهائيا سنة 1992.تسجيلاته وأعماله.. إرث ثقافيإضافة إلى تسجيلاته وأعماله الإذاعية والتلفزيونية، هناك تسجيلات أسطوانية أخرى تتمثل في: أسطوانتي “تورز 78” لصالح شركة “باسيفيك” سنة 1955، و4 أسطوانات “تورز 45” لصالح شركة “تيباز” عام 1959، وقرص مضغوط تسجيل نوبة مزج (مايا- رصد الذيل) سنة 1997، قرص مضغوط (نوبة رمل المايا)، أيضا سلسلة 5 أسطوانات أقراص مضغوطة لطبع العروبي عام 2000، إضافة إلى سلسلة نوبات متفرقة قام بتجميعها في حوالي 45 قرصا، وتسجيل نوبات زجل لصالح شركة “إيبدا” سنة 1997، وغيرها من التسجيلات.ملكة الكتابة.. موهبة توازي موهبة الغناء والعزفاهتم الأستاذ سيد أحمد سري بالكتابة، وكانت تعتبر موهبة ثانية يمتلكها بعد موهبة الغناء الأندلسي، حيث استغل ملكته الكتابية لكتابة المقالات في الصحف الوطنية حول الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية من منظور عام، ومدرسة الصنعة التي يتبناها بشكل خاص، ومن بين المقالات المهمة كانت تلك التي تعنى بأساتذة الموسيقى، الأعمال الموسيقية، والجمعيات، ومقالات تتحدث حول مستقبل الموسيقى الأندلسية الجزائرية.أعلام موسيقية.. خريجو مدرسة سريأروع الجوائز التي تنالها في حياتك ليست الأذرع والجوائز المالية، بل رؤية أشخاص يؤمنون بما تؤمن ويستمرون في تبني حلم عملت واجتهدت لسنوات تزرع فيهم ما آمنت به.. كانت تلك الجائزة الحقيقية لعملاق الموسيقى الأندلسية، فقد تخرج على يده الكثير من الفنانين والمطربين والموسيقيين، من أشهرهم: زروق مقداد، زكية قارة تركي، حبيب قرومي، ومن تلامذته أيضا الأستاذ عثمان دلباني، مشرف قسم الموسيقى الآلية بمنتدى سماعي للطرب العربي الأصيل على شبكة الإنترنت.جوائز وتكريماتحظي شيخ الفن الأندلسي سيد أحمد سري بعدة جوائز وتكريمات خلال مسيرته الفنية، أبرزها تقلده وسام الاستحقاق الوطني سنة 1992، ليكون بذلك أول فنان يحصل على هذه الجائزة المهمة والمتميزة، إضافة إلى تكريمه من قبل المعرض الكبير النوبة، وذلك بعرض مختلف مراحل حياته مع الموسيقى، وعشقه اللامتناهي وتفانيه في خدمة الفن الأندلسي، والعمل على حفظه من الزوال.وخلال الاحتفال عرض عملين خُصصا لهذه المناسبة، يتمثل العمل الأول في مجموعة أقراص مضغوطة تحمل الأعمال الفنية لسيد أحمد سري متكونة من 24 أسطوانة من نوع “سي دي”. أما العمل الثاني فهو عبارة عن كتاب يضم جميع أعمال الأستاذ سري، إضافة إلى النوبات الموسيقية التي قام بكتابتها لترسيخها وجعلها مرجعا يقوم على منهج يُعتمد عليه في تدريس هذا النوع من الموسيقى.فقدان قامة من قامات الفن الأندلسيرحل أستاذ الموسيقى الأندلسية وغاب عملاقها عن عمر ناهز 89 سنة، ومع أن خسارته هي خسارة للموسيقى الأندلسية العريقة، فإن فراقه يبقى من المستحيلات، ونحن نملك هذا الزخم الموسيقي وهذا الإرث الثقافي لمؤلفاته.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات