"الأعمال الشاقة" لموظفي ما قبل التشغيل والراحة للمرسّمين

+ -

يستيقظ باكرا، وبسرعة يرتدي ملابسه، يحاول أن يكون أنيقا قبل أن يخرج مهرولا ليستقلّ النقل العمومي باتجاه مؤسسة الضرائب بعنابة، حيث يعمل في إطار عقود ما قبل التشغيل،  يلتحق بموقع عمله المؤقت مثقلا بوعود التثبيت المؤجلة، ليجد بانتظاره “رزمة” من الملفات “وحزمة” من المهام.هذا هو حال فتحي، شاب في 30  من العمر، حائز على شهادة علم التسيير، تخصص مالية.لا يمكن للناظر إليهم في أروقة الإدارات والمكاتب، أن يميّزهم عن الموظفين المرسّمين لتلك المؤسسات، إلا حين الإطلاع  على كشف الرواتب في نهاية الشهر، فتقف على مجرد “فتات” يصبّ” في حساباتهم وبالكاد يغطي مصروف يوم كامل.مظاهر الاستغلاليروي فتحي، عامل في عقود ما قبل التشغيل، تجربته بمؤسسة الضرائب بالعاصمة، “نلاحق يوميا منصبا “هاربا”، فكل صباح، نستيقظ ونتوجه إلى المؤسسات التي أبرمنا معها عقودا ما قبل التشغيل، ونتلقى التعليمات ونمتثل للأوامر الإدارية كباقي الموظفين، بل في بعض الأحيان نبذل مجهودا أكثر وأداء أحسن عله يتم تثبيتنا”.ويواصل زميله “ف.ع”، من حيث انتهى فتحي”أنفق ساعات بل وسنوات من عمري في خدمة مؤسسة لا تقدّر مجهودي، بل تسرق أعمارنا وقدراتنا البدنية، فلا كشوف رواتب لدينا، ولا شهادات عمل ولا بطاقات الشفاء ولا صفة الموظف .. إذن نحن لواحق إدارية لا غير”.كابوس نهاية العقدربيحة، شابة من جيجل، سردت لنا معاناتها  “كنت أعمل في إطار “لانام”، لمدة 3 سنوات، وبعدها تم تحويلي إلى برنامج آخر، وبمجرد أن تنتهي مدة صلاحية العقد، أصبح وزملائي مهددين بالطرد من طرف المستخدمين من الخواص”.“اعمل كثيرا كي يتم تثبيتك في المنصب”، هي الحقنة التي نتلقاها يوميا على مستوى المؤسسات حيث نعمل”، هكذا لخّص أحد الشباب العامل في إطار عقود ما قبل التشغيل حياته المهنية، وأضاف “يتم إعدادنا نفسيا لنمارس أعمالا ليس من صلب مهامنا، فرغم أننا نقوم بنفس المهام، لكن نختلف في الحقوق”.ويأمل الشباب الذين تم تحويلهم إلى برامج محددة المدة، إلى إعادة إدماجهم في برنامج الوكالة الوطنية للتشغيل، الذي أصبح مفتوح المدة، وبإمكان الشباب أن يستمروا في العمل لدى الخواص، ويتلقون رواتب على عاتق الدولة دون توقف.وروى أحدهم تجربته “بعد إبرام عقد بمدة سنة في إطار ما يسمى “لانام”، كنت أتلقى راتبا شهريا تصبه في حسابي المؤسسة الحكومية، في حين لم يكن المستخدم يدفع فلسا، وبعد انقضاء مدة العقد الأول جددته لعام ثان، وحين انتهى الأخير أبدى المستخدم رغبته في التخلي عن خدماتي ليعوّضني بموظف في الإطار نفسه، وهذا لتفادي صرف الرواتب من جيبه”.أشباه موظفينوعن وضعية هؤلاء الشباب، ذكر رئيس المنظمة الوطنية للشباب والشغل، حبيب أحمد، لـ “الخبر”، أن مظاهر الاستغلال التي تطبع يوميات الشباب العامل في إطار عقود ما قبل التشغيل، تتجسد في إثقالهم بمهام ليست من اختصاصهم، وذلك بدعوى تكثيف العمل حتى يتم تثبيته في المنصب، مما يجعل الشاب يدخل في سباق مع الزمن، يطارد سرابا مزيفا ليصطدم بضرورة المرور على مسابقة للحصول على ذلك المنصب.ويتابع محدثنا وصفه لواقع هذه الفئة من الشباب التي آثرت في مسارها المهني أن تعمل في إطار منصب مستقر، “الشباب يقارعون مناصب من وهم ويطاردون رواتب مهينة، لا ترقى إلى المجهود الذي يبذلونه طيلة شهر  كامل، في حين يفترض   أن يعملوا أقل من الموظف المثبت، بوصفهم متربصين يتم إعدادهم للحياة المهنية في تلك المؤسسة، حينها يتم تكليفهم بالمهام الثقيلة، وحينها يكونون قادرين على تحمّل مسؤولياتهم ومواجهة العراقيل”.ودحض المتحدث الأقاويل التي يسوّقها بعض المسؤولين للشباب لتحفيزهم على مواصلة العمل ومن ثم إثقالهم بالمهام المكتبية المتعبة، ووصفها بالأكاذيب التي يستعملها الإداريون القدامى كوسيلة لتجنّب العمل، مستدلا بأن التوظيف والإدماج في العمل يمر عبر مسابقات يشارك فيها حتى مترشحين من خارج المؤسسة، وهو ما يقلّص حظوظ النجاح، وبالتالي تتبخّر جرعات المنوّم التي  أغرقت الشباب في أحلام وردية.لا.. يا حكومةتحوّل آلاف الشباب ممن انخرطوا في هذه البرامج الحكومية، من متربصين يتم إعدادهم لتقلّد وظائف قارة، إلى أشخاص يمارسون مهام الموظفين الأصليين في المؤسسات والإدارات العمومية والخاصة، كما أن أغلبية أولئك الشباب يقول المتحدث باسم الوكالة الوطنية للتشغيل، يشتغلون في مناصب لا علاقة لها باختصاصاتهم التي درسوها بالجامعة، مما يجعلهم يبتعدون عن تكوينهم الأصلي ويتجهون نحو ميادين أخرى لم يتلقوا بشأنها دراسات نظرية، وهو ما يقلص مردودهم المهني والعملي.وينتظر عمال عقود ما قبل التشغيل، الحكومة لترسيم وعودها وقراراتها، والشروع في تطبيقها بشأن احتساب سنوات عملهم في منحة التقاعد، وكذا قرار إدماجهم في مناصبهم كما كان مقررا أثناء إبرام العقود.ومن المشاكل التي لا تزال عالقة دون حلول، هو استعانة عدة مديريات التربية بالولايات الداخلية بموظفي عقود ما قبل التشغيل للتدريس في حالات العجز، رغم وجود تعليمة تمنع ذلك، ولكنهم حين يطالبون بشهادات توثّق قيامهم بالتدريس ترفض الإدارة ذلك، وتمنحهم شهادات على أنهم قاموا بمهام إدارية بحتة.عامل لكن بطّالبالمقابل، يعمل آلاف الشباب في إطار برامج عقود ما قبل التشغيل، لكن على الورق دون الذهاب إلى المؤسسات والاستفادة من التكوين، لأن تلك الإدارات تنعدم فيها فرص التثبيت، بالإضافة إلى أنها خاوية من الأعمال والتعاملات الإدارية،كما أن المناصب التي تحصلوا عليها لا علاقة لها بشهاداتهم الجامعية، مما جعلهم لا يلتحقون بمناصبهم، وهو حال الكثيرين مما يفضّلون إيداع ملفات التوظيف في برامج ما قبل التشغيل في مؤسسات صغيرة حتى لا يرهقون أنفسهم بالذهاب يوميا، خاصة وأن أفقها منغلق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: