هل تعيد الحكومة الضريبة على اللحية؟!

+ -

صورة الوزير الأول، عبد المالك سلال، وهو يقف، إلى جانب الأمين العام لاتحاد الفلاحين بقشابيته في عين الدفلى، أمام الفلاحين، ذكرتني بصورة حفرت في ذاكرتي عمرها أكثر من 60 سنة.. فقد كانت صورة سلال وعليوي تشبه صورة ذلك الحاكم الفرنسي الذي كان يزور “دوّارنا” بصحبة “ڤايد” الدوّار لإحصاء شباب الدوّار وقطعان الأبقار والأغنام التي يملكها السكان بغرض فرض الضريبة لصالح الاستعمار.كان القائد ببرنوسه الذي يشبه في حمرته قشابية عليوي، وكانت بذلة الحاكم تشبه بذلة سلال.. موضوع اجتماع سلال وعليوي بفلاحي عين الدفلى يشبه إلى حد بعيد اجتماع القائد والحاكم عندنا في الخمسينيات، فالموضوع هو فرض الضرائب على المزارعين لتمويل خزينة الدولة.كانت الضرائب في الخمسينيات تفرض حتى على رؤوس الرجال الذين يبلغون سن 18 سنة... ولهذا يتولى القائد المعين على الدوّار ومعه الوقاف بجرد الشباب الذين يبلغون سن 18 سنة لفرض عليهم ضريبة تسمى آنذاك ضريبة اللحية، وهي ضريبة تفرض على كل ذكر بلغ 18 سنة.وكثيرا ما كان القائد يختلف مع رب العائلة في الدوّار على تحديد مَن مِن أبنائه بلغ سن 18 سنة ليسجله عند “الخزناجي” كلحية قابلة لأداء الضريبة.. ولذلك كان الشباب يعرضون على الحاكم والقائد ليريا بالعين إذا نبتت اللحية والشلاغم للشباب أم لا.. حتى يصبح صالحا لأداء الضريبة! لأن الشباب أغلبه لم يكن مسجلا في الحالة المدنية، لأن فرنسا كانت تأخذ المسجلين إلى العسكر، وهو ما يرفضه السكان، ويؤدي ذلك إلى عدم تسجيل أبنائهم.ويحدث أن يقوم أولياء الشباب بحلق أذقان وشلاغم الشباب حتى لا يظهر عليهم البلوغ الذي يفرض عليهم أداء الضريبة.. ولكن القائد يكون أيضا خبيثا، فيقوم بحك ورقة “الزمام” التي بيده على لحية وشنب الشاب الحليق، للتأكد من عدم وجود الشعر فعلا. فإذا وقعت عملية كشط في اللحية، حين تمرير الورقة، فذاك يعني بأن الشاب أصبح بالغا ونبتت له اللحية وحلقها، وبالتالي وجب عليه دفع الضريبة!نفس الصورة عشتها في أكاديمية شرشال، عندما اجتزت الخدمة الوطنية، فقد كان الضابط يتحسس لحى الطلاب الضباط بورقة للتأكد من جدية حلق اللحية، التي كانت من أوكد الواجبات اليومية.ضريبة اللحية كانت تعادل الضريبة على كل من يملك بقرتين، وتعادل الضريبة على كل من يملك 10 أغنام، ولذلك فإن الفلاح الشاطر هو من كان يرشي القائد بكبش أو اثنين قبل جرد أبنائه أو أبقاره أو أغنامه لأداء الضريبة.هذه المظاهر اختفت مع الاستقلال، حين قام المرحوم بومدين بإلغاء الضرائب على الفلاحين، وأصبحت هذه الظواهر مجرد ذكريات.. واليوم الحكومة تتفقد الفلاحين وتتهيأ لإعادة فرض الضريبة على رؤوس الرجال والأغنام والأبقار، بالصورة نفسها التي عشناها قبل ستين سنة، ولذلك تذكرنا هذه الصور المقيتة.. التي ذكرنا بها عليوي وسلال.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات