+ -

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو؛ كيف تمكّن هؤلاء الناس من تشييد بناياتهم بهذه الكثافة على شاطئ كان الناس يحجون إليه خلال موسم الاصطياف؟ يجيب مدير البناء والتعمير لولاية جيجل، مبروك غويلة، قائلا “العقار بولاية جيجل مر بمرحلة النزوح من الريف إلى المدينة وضواحيها خلال العشرية الدموية، وزادت عملية نهب العقار حدة بعد العشرية السوداء، واستمرت إلى غاية اليوم، ما أدى إلى الاستحواذ والاستيلاء على فضاءات عقارية كبيرة، ولاسيما العقار العمومي المتواجد على أطراف التجمعات السكانية بالرابطة، وحراثن، والشمايم.. إلى جانب الاستحواذ على العقار الفلاحي الغابي والسياحي”. وأضاف المتحدث “هذه المناطق الخاصة بالتوسع السياحي كانت مصنفة قبل سنة 1990، إلا أن التعامل مع مسألة العقار بولاية جيجل تم بعفوية، لأن الأراضي تباع وإلى غاية اليوم بعقود عرفية بين الناس، بل وهناك من يشتغل في هذا المجال للنصب والاحتيال على الناس وتمكّنوا من جني المليارات بفضل إيجار المنازل خلال موسم الاصطياف. ومن جانب آخر، فإن كثيرا من الأطراف في مناصب المسؤولية لم يقوموا بدورهم”. لكن، هل قدمت مديرية مصالح البناء والتعمير إعذارات وإنذارات للناس الذين شيّدوا بناءات فوق أراضي خاصة أو عمومية بطريقة غير قانونية؟يجيب مدير البناء والتعمير “خلال السنوات الخمس الماضية، 2010 إلى 2014، أحصينا أزيد من 1500 مخالفة، تم تقديمها للبلديات عن طريق المفتشين، إلا أن الإجراءات لم تتخذ، خاصة وأن قانون 90/29 المعدل، وخاصة المادة 76 مكرر منه، تلزم رئيس المجلس الشعبي البلدي بمتابعة البناء الفوضوي والقيام بإجراءات، فضلا عن دور أعوان الأمن وشرطة العمران الذين بوسعهم تحرير محاضر عن هذه التجاوزات، ولو أن التطبيق يرجع إلى رؤساء البلديات المتربعين على عرش 28 بلدية”.منطـــــق الشعبــــــويةالواضح أن رؤساء المجالس الشعبية البلدية يتحمّلون جزءا من المسؤولية إزاء استيلاء شرائح واسعة من الناس على العقار بطريقة غير شرعية، لأنهم اتبعوا منطق الشعبوية في التعامل مع المواطنين على حساب المستقبل السياحي والفلاحي للمنطقة، كل ذلك بحجة مساندة المواطنين من الناحية الاجتماعية، لأن رؤساء المجالس الشعبية البلدية مازالوا ينظرون إلى المواطنين المقيمين حتى في بيوت الصفيح، على أنهم احتياطي انتخابي، يمطرونهم بالوعود خلال المواعيد الانتخابية. وما أن تمر هذه الاستحقاقات، يعود المواطنون والأحياء السكنية إلى واقع بؤسهم ويأسهم، بل ويقول بعض رؤساء المجالس الشعبية البلدية، إن الأجواء الاجتماعية الضاغطة التي ميّزت جيجل في أعقاب حرق أحد الشباب لنفسه بمدينة جيجل، هي التي جعلتهم لا يتفاعلون بجد مع قضية تنفيذ قرارات هدم البناءات.“الأميار تركوا الظاهرة تستفحل..”في هذا السياق، يقول مدير البناء والتعمير “هناك مواطنون هددوا بحرق أنفسهم سنة 2014 في حال إذا ما أقبلت السلطات العمومية على هدم بناياتهم، أي أن الظاهرة تركت للاستفحال، طالما أن رؤساء المجالس الشعبية البلدية اتبعوا المنطق الشعبوي مع المواطنين”.. ولو أن مدير البناء يوضح ما مفاده، أن الأشخاص الذين شيدوا بناياتهم قبل سنة 2008، لهم الحق في التسوية؛ على شرط ألا يكون البناء قد شرع في إنجازه قبل شهر جويلية من سنة 2008، وألا يتعارض البناء مع المادة 16 من القانون ذاته.لكن ما عرفناه منذ وصولنا إلى جيجل؛ هو أن منطق الشعبوية الذي اعتمده المسؤولون المحليون مع المواطنين، وكانت له نتائج كارثية على المنطقة، قد وضع له الوالي الجديد حدا، وشرع في تنفيذ قرارات هدم البناءات غير الشرعية التي ظلت حبيسة الأدراج منذ سنوات. والزائر لولاية جيجل، بوسعه أن يقف على مظاهر البناءات غير المرخص لها المهدمة، من الميلية إلى الطاهير، مرورا بقلب مدينة جيجل وضواحيها والحجر الأسود، وصولا إلى العوانة وتازة وأفتيس، مع القضاء على أزيد من 11 سوقا فوضويا واسترجاع الفضاءات العمومية التي استولى عليها تجار فوضويون عبر كامل بلديات الولاية. وما استنتجناه، هو أن المسؤولين المحليين التزموا الصمت طيلة السنوات الماضية إزاء زحف الإسمنت الفوضوي الذي ألحق اختلالات عميقة بالخصوصية السياحية للمنطقة، في وقت كان يفترض على هؤلاء التفكير في برامج التنمية المحلية الهادفة إلى إعادة التوازن للريف، من جانب إعادة توطين النازحين وإعادة تثبيتهم في قراهم ومداشرهم، في ظل تحسن الوضع الأمني، بانجاز مزيد من المدارس والمصحات ومراكز التكوين وفتح الطرقات وإدخال الكهرباء، حتى تسهل إمكانات العيش أمام الناس، كل ذلك لأجل الحفاظ على الطابع السياحي للساحل الجيجلي المؤهل لاحتضان فنادق ومنتجعات وشاليهات وفضاءات للهو واللعب والاستجمام، خاصة وأن هذا الساحل يحتل مكانة امتيازية في مخيال ملايين الجزائريين المتعطشين لزيارته، كل ذلك بهدف إخراج المنطقة من عزلتها وإلحاقها بركب باقي الولايات التي قطعت أشواطا في التنمية، سواء على صعيد المرافق المنجزة، أو الطرقات المسهلة لحركة تنقل الأشخاص والسلع والبضائع.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: