أبو القاسم سعد الله فضّل الجهد الأكاديمي على خدمة الأيديولوجيات

+ -

شغل المؤرخ والأديب الراحل أبو القاسم سعد الله (1930 - 2013) الحياة الثقافية الجزائرية، طيلة أكثر  من عشرية، كأديب ومؤرخ ومترجم، فكان رمز المثقف اليقظ، والمستقل البعيد عن التأثيرات السياسية وتوجيهاتها المنافية للصرامة العلمية. فضّل الدكتور سعد الله تركيز جهوده على البحث في تاريخ الجزائر الثقافي، وعلى إعادة الاعتبار لأعلام القرون المنصرمة. وإن لم يبحث في تاريخ حرب التحرير، فإنما فعل ذلك وفق رأي الدكتور رابح لونيسي اعتقادا منه أن التأثيرات الحزبية للمؤرخين كان لها وقعها، وذلك ما حاول تفاديه وتجنّبه. إن الجهد الذي بذله سعد الله، جعل منه حسب الدكتور محمد أرزقي فراد، مثقفا وفيّا للعقل والمجهود النقدي.   الدكتور رابح لونيسي“سعد الله كان حريصا على سلطته الأكاديمية”   يرى الدكتور رابح لونيسي، أن المتتبع لمسار المؤرخ الراحل أبو القاسم سعد الله،  يلاحظ مدى اهتمامه بالتاريخ الثقافي للجزائر مقارنة بالمجالات الأخرى من هذا التاريخ، ويبرز  ذلك بجلاء من خلال عمله الكبير “تاريخ الجزائر الثقافي”، لكن هذا ليس معناه عدم اهتمامه تماما بالتاريخ السياسي، فقد أنجز ثلاثة أجزاء كاملة عن الحركة الوطنية الجزائرية التي يردّ بداياتها إلى البذور الأولى للمقاومة في 1830 مع مقاومة محمد بن زعموم والشيخ السعدي في المتيجة، ويرد بذلك على الطروحات التي ترد الحركة الوطنية إلى بدايات القرن العشرين، وتستند على عدم وجود فكرة “الوطنية” في جزائر 1830، وأنها فكرة أوروبية حديثة العهد. وقال الدكتور رابح لونيسي، أستاذ التاريخ بجامعة وهران، إن المؤرخ الراحل أبو القاسم سعد الله توقف في تأريخه للحركة الوطنية في 1945، ولم يكتب إلا القليل جدا من المقالات حول ما بعد 1945، والتي كانت ذات طابع عام جدا، كما لم يقترب من تاريخ الثورة الجزائرية، بالرغم من أنه كان مجاهدا فيها، من خلال نضاله الطلابي في القاهرة، ثم مساهمته في التعريف بالقضية الجزائرية في أمريكا، بعدما أرسلته جبهة التحرير الوطني لمواصلة الدراسة هناك، حيث أنجز هناك رسالة دكتوراه حول الحركة الوطنية الجزائرية مابين 1900 و1930. وأوضح لونيسي في تصريح لـ”الخبر”: “يتعجب الباحث والقارئ لسعد الله من هذا الابتعاد عن تاريخ الثورة، وهو القادر على الكتابة فيه أحسن من أغلب الذين كتبوا حولها، وما يثير فعلا هو إهماله لهذه الفترة حتى في جانبها الثقافي، فتوقف في تاريخ الجزائر الثقافي عند 1954، لكنه استدرك ذلك فيما بعد، حيث وضع جزءا خاصا لتاريخ الجزائر الثقافي أثناء الثورة، ويبدو أنه غير راض على هذا الجزء تماما، فقد قال لولا قصر الزمن لأعدت كتابته تماما، وكأنه وضعه تحت ضغوط لم يرد الإفصاح عنها بوضوح”. وحسب لونيسي، فإنه يبدو أن “سعد الله كان يخشى الاقتراب من تاريخ الثورة، لما تثيره من حساسيات وإدراكه للصراعات الحادة بداخلها، فخشي أن يكون بكتابته عرضة لردود أفعال، ستأتي من الفاعلين التاريخيين الذين ليسوا مؤرخين، وتتحكم في نقاشاتهم في الكثير من الأحيان الجدال العميق والانفعال العاطفي مع تغييب الروح الأكاديمية، وهو الذي يحرص على النقاش الأكاديمي الهادئ فقط، ويرفض الصخب الغوغائي والفلكلوري لدرجة رفضه المشاركة في الملتقيات التي ليس لها طابع أكاديمي بحت، كما يمكن تفسير ذلك برفض سعد الله  لما يسمى اليوم بـ “التاريخ القريب”، والذي هو غائب للأسف في جامعاتنا، وقد فهمنا بعض أسباب ذلك من خلال حادثة وقعت لنا معه، عندما طلبت منه الإشراف عليّ في تحضير إحدى رسائلي الجامعية، اقترحت عليه ثلاثة مواضيع أحدها عن جذور النزعة الأمازيغية في الجزائر، والثاني عن تاريخ حركة الإخوان المسلمين، وموضوع ثالث عن الفكر القومي العربي، فوجّهني إلى الموضوع الأخير قائلا لي: إنه لا يمكن تناول الموضوعين الأولين لأنها مواضيع جد حساسة في جزائر تلك الفترة التي كانت تغلي بصراعات حادة بعد أحداث أكتوبر 1988”.ويمكن تفسير عدم كتابة سعد الله لتاريخ الثورة حسب الدكتور لونيسي “بالخشية من غلبة الذاتية على كتاباته، بحكم أنه أحد المشاركين في هذه الثورة، وقد أجاب عن هذا السؤال في حوار له مع مجلة الجيش فقال “إنني أعرف بعض المؤرخين الجزائريين الذين إذا كتبوا عن الحركة الوطنية، كتبوا عنها من وجهة نظر أحزابهم، أو الهيئات التي كانوا منتمين إليها قبل الثورة. وأعتقد أن مؤرخي الثورة سيتأثرون أيضا بدورهم فيها وحدود مشاركتهم ومسؤوليتهم”، فمعناه كان يخشى أن يكون من ضمن هؤلاء المؤرخين، مما يمكن أن يفقده سلطته الأكاديمية فيما بعد”. وختم الدكتور لونيسي شهادته قائلا: “لم يتطرق سعد الله إلى تاريخ الثورة الجزائرية، فإن هذه الثورة في نظره لا زالت حديثة العهد بنا، ولا زالت تثير الحساسيات إلى حد اليوم، خاصة وأنه شديد الإدراك لمدى الخوف الذي يثيره التاريخ في نفوس البعض، وقد كان ذلك عنوانا لمحاضرة ألقاها في مدرج بن بعطوش في الجامعة المركزية في 1987، كما أنه يفضّل تاريخ الفكر والثقافة على التاريخ السياسي والعسكري، ولعل ذلك يعود إلى تكوينه الأدبي، فهو أيضا أديبا كتب أشعارا عدة، كما هو مولع بـ“أدب الرحلات”.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: