"الثورة الكوبرنيكية"العربية ليست غدًا

38serv

+ -

 يرى الأستاذ أحمد دلباني أنه من الواضح أن “العربي الأخير” اندثر منذ قرون وليس كما توقع الصديق واسيني الأعرج بقاءه إلى غاية 2084. وقال: “أقصد بذلك أن الخصوصية العربية من حيث العطاء الحضاري والثقافي والحضور المتميز على ركح تراجيديا العالم تصلبت شرايينها، وأصبحت تعاني من البطالة الحضارية وضمور الفاعلية الإبداعية حتى إطلالة العصور الحديثة عندما فاجأنا هولاكو الغربيّ الجديد ـ الذي زاوج بين المعرفة والقوة ـ بأسلحته وآلة الطباعة وأشكال المدنية الحديثة”.يعتقد أحمد دلباني أنه لا يُمكن قراءة ما يحدثُ في العالم العربيِّ حاليا من خلال التوقف عند الحدث المباشر بمعزل عن ثقل التاريخ المُمتد عبر المُؤسَّسات التقليدية والنظام الثقافي القديم الذي لم يعرف رجة تزحزحه عن موقعه الرَّاسخ بصورةٍ جذرية. وقال دلباني لـ«الخبر” إن: “الجزء الظاهر من الجبل الجليديِّ لا يقفُ على فراغ. والتاريخُ ليس أحداثا انفجارية بقدر ما هو، أيضا، بنياتٌ راسخة تتطلبُ تأملا ونقدًا. وأعتقد أنَّ ما يُميز عالمنا العربيَّ اليوم هو كونه مشهدًا لا ينتهي من إعلان النهاية. نحن النهاية الأطول عمرا في تاريخ الثقافات والحضارات. كأننا لم نعرف قطيعة واحدة على أي مُستوى استجابة للتحديات التي جابهتنا منذ نحو قرنين من الزمان منذ عرفنا “صدمة الحداثة”. هذا ما جعل حياتنا تبدو كمثل جُثثٍ طافية على مُحيط التاريخ”.وحسب دلباني، فإن “المرارة العالقة في حلوقنا هي نتاجٌ للفشل الذي صاحب مشاريعنا الليبرالية والقومية والاشتراكية جميعا. ويبدو أنَّ بروميثيوس العربيَّ المُحبَط من محاولة نفخ الروح في المومياء العربية أعلن توبته كآدم وصار يتودَّدُ إلى الأبدية بعد أن خاب مسعاه في دخول التاريخ الأرضيِّ والمشاركة في صنع أقداره”، مضيفا: “إنَّ العربيَّ اليوم - على المستوى الحضاري والثقافي السَّائد - يعاني اليتمَ من أبوة التاريخ وهو ما جعله يحلم، استيهاما، باستعادة الفراديس الضائعة في حضن الطائفة والقبيلة والعقيدة والبيت الواحد من أجل أن يلتقيَ بنفسه مُجدَّدًا بعيدًا عن المنفى الأرضيِّ، أو ذلك الجسر الهش الذي يقود إلى ضوء الأصل. هذا ما جعل تفكيره يتمحورُ حول الهوية المُستعادة والأصول في صورة انكماش هو النقيض الكامل لمحاولات الانفتاح على العصر، وأسئلة الحداثة في مراحل سابقةٍ كشفت بجلاءٍ عن الطابع الرومانطيقي لمشاريع المُثقف العربيِّ الخائب”.إنَّ ثمة حنينا عميقا في الحضور العربي اليوم إلى الشفاء من داء سقوطنا غير الناجح في التاريخ، حسب دلباني الذي قال: “ولعل حال التراجع والتمزق الغريبة التي نشهدُ أن تكونَ دليلا على الفاجعة التي أتينا على ذكرها. ألسنا نشهدُ انتعاشَ الطائفية والمذهبية بصورةٍ صارخة مكان حلمنا السابق بدولة المواطنة والحقوق الديمقراطية؟ ألسنا نحتفي بعودة هيمنة العمامة والأستاذية العقائدية بعد فشلنا الكبير في جعل العقل والفكر النقدي فاعلياتٍ أولى لمُجتمع ديناميكيّ ينفصل جدليا عن الماضي فيما يعانق لحظته التاريخية الحالية؟ ألا نشهدُ انفجارَ العنف الاجتماعي الكامن نتيجة لإخفاقنا في تحقيق التنمية المتوازنة التي تقطع مع بنيات التقليد بصورةٍ غير متسرعة وغير شكلية؟ هذا ما يجعل منا ـ بكل تأكيد ـ مُختبرًا لمخططات الآخر الذي يعرفُ كيف يستثمرُ في فشلنا ويأسنا كي يسارع إلى تمزيقنا وتفتيتنا وإعاقة تطورنا”.   ربما يكون العربي قد مات، حسب ذات المتحدث، “منذ فقد القدرة على محاورة العالم برحابة عقل وإبداع، ومنذ نُسفت بينه وبين التاريخ جسور التواصل الإيجابي. إن موت العربي عجل بجعل العالم لاتينيا وغربيا. وها هو اليوم يترنح على أرصفة البطالة الحضارية دون فاعلية سوى القدرة على الاستهلاك وتأمين مصالح الآخر الإمبريالي السياسية والاقتصادية. يقول أدونيس: “هناك أممٌ ـ مشروعات، وهناك أممٌ ـ ذكريات”. أعتقد، فعلا، أن جوهرَ المشكلة يكمن هنا. نحن أمة تدفنُ رأسها في رمال الماضي ولا تملك مشروعا يتجاوز حضورها الزمني إلى وجود تاريخي حي”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: