"التاريخ لا يسجل دموع الباكين وإنّما يكتب إنجازات الفاعلين"­­­

+ -

قال الدكتور البشير ربوح، أستاذ الفلسفة بجامعة باتنة، “لقد أضحى الخطاب الجنائزي هو سيد الموقف في العالم العربي اليوم، بكلّ شحناته اللغوية ومقاصده الخانقة في هذه الفترة من الزمن العربي الثقيل في سيره، المتهاون في إدراك مأموله، ومنه لم يعد من الممكن أن نبدأ في تدشين أفق جديد يستعيد جزءاً ولو كان يسيرا من حلمنا الذي أفل بعد توهج، خاصة بعد أن انخرط المجتمع العربي في مسار تاريخي مفاعيله أغلبها مستولدة من الخارج، لأنّه كان ولايزال مجرد ترس صغير في آلة الغرب الكبرى التي تشتغل اقتصاديا وسياسيا وثقافيا بصورة لا إنسانية، لغتها لا تحيد البتة عن دائرة مفردات القوة والهيمنة والتعالي، ونحن بذلك نحقق نبوءة هيغل في كوننة الغرب إلى حدّ مرعب في رؤيته، وتباشير نيتشه في شذراته الواخزة التي تنظر إلى القوة بحسبانها الناسج الوحيد للتاريخ، فالتاريخ لا يسجل دموع الباكين وإنّما يكتب إنجازات الفاعلين. وعندما يصبح الإنسان العربي مستلبا داخليا وخارجيا في جميع مقدراته، وتنعدم لديه المقدرة على الفعل أو حتى ردّ الفعل، نكون أمام وضع ميلودرامي يخرجنا من الرشاد إلى التيه”. ويعتقد الدكتور ربوح أنه: “لا يجب أن تدفعنا هذه القراءة إلى تكريس تلك الرؤية التي تمجد الهلاك وتعشق جلد الذات وتستمرئ لعب دور الضحية متكئة على بعض المفردات التي تشكلت وتبلورت في محاضن النفوس الهشة، وإنّما نحن نتحدث عن واقع قائم بذاته متورط مع التفاهة والكسل والجبن والشمولية والظلم، والتسويغ المرضي واللوم والتنقيب عن الأعذار مهما كان شكلها، فالأمر المعطى أمامنا هو أنّ التخلف بات مؤسسا، وأنّ الانحطاط أصبح رؤية للوجود، وأنّ الهشاشة غدت سمة الإنسان العربي”.إن المبتغى من الحديث عن واقع الإنسان العربي اليوم، حسب الأستاذ ربوح، هو “اعتبار الواقع منطلقا لا بديل عنه، لكي نتحرك صوب تاريخنا القادم، لأنّ الإنسان العربي في وسط هذا الخراب بالمعنى الخلدوني أو إنسان ما بعد الموحدين بلغة مالك بن نبي هو حصيلة طبيعية لوضع غير طبيعي، والبدء يكون بالضرورة من هذا غير الطبيعي لكي يتسنى لنا استيعاب مدى جسامة ما ينتظرنا من مهام حضارية، تتعلق رأساً بإعادة ترتيب البيت الداخلي لهذا الإنسان خاصة من الناحية السيكولوجية، وذلك بإخراجه من حالة القهر التي عاش فيها طويلاً إلى فضاء الحرية المسؤولة، وكذلك من الجانب الاجتماعي؛ حيث يبدأ في الانتقال من وضع الوظيفة إلى رتبة الدور، ومن الجانب السياسي الذي نأمل فيه أن نرتقي بهذا الإنسان من منزلة الساكن إلى فاعلية المواطن. والاجتهاد في تثوير مكامن القوة المنغرسة فيه”، موضحا: “فهذا الكائن الذي تفوّق على جدب الصحراء، وقاوم جحافل المترفين، وقارع حثالة البشر من الغزاة، وصبر على حيف الحاقدين، لهو كائن قادر على صناعة ذاته مجددا، وذلك بالقراءة منطلقا وغاية، وطرح الأسئلة الكبرى، والخروج من سجن الأوهام المريحة، والتجرؤ على استعمال العقل بكلّ شجاعة كما أوصانا كانط، ولكي لا نتصير أعجاز نخل خاوية يجب أن نأخذ مصيرنا بقوة الحزن التي فينا”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: