"هناك تنوع وتعدد في أقنعة الإنسان العربي اليوم"

+ -

 يعتقد الدكتور حبيب مونسي أنه حينما يهم الدارس بالإجابة عن سؤال يبدو بسيطا من أول وهلة، مثل: “من هو الإنسان العربي؟”، يجد نفسه يتعثر مع الكلمات الأولى التي يستفتح بها حديثه، متسائلا عمن سيكتب وبين يديه عدد معتبر من الأشكال التي يتمظهر فيها الإنسان العربي المعاصر، قائلا: “لقد كان العربي القديم متجانسا مع بيئته وثقافته”. وأضاف: “غير أننا اليوم حينما نعاود طرح السؤال على أنفسنا، ثم نتفحص الواقع القائم بين أيدينا تنتابنا الحيرة أمام التعدد والتنوع في “أقنعة” الإنسان العربي، ونحن ندرك يقينا أن الجوهر الأول لايزال حاضرا باهتا في الخلفية التي تظللها الأقنعة وتهيمن عليها. ومن ثم رحنا نزيل هذه الأقنعة للنظر في طبيعتها أولا وفي حقيقتها ثانيا، حتى نستكشف من وضعها على هذا النحو على الوجه العربي وما هي الدواعي التي دعت إلى ذلك”.وقدم الدكتور مونسي تشريحا للإنسان العربي المعاصر على عدة مستويات، فهناك، حسبه، العربي الأمي، وهذا النمط من العربي كثير في الوطن العربي وهو من مخلفات الاستعمار والفقر والجهل، وهو إنسان بسيط فطري بطبعه، غير أنه مستعمر بالخرافات والتقاليد، وأميل إلى التقليد.. سريع الانصياع، راضخ سمح. كما يوجد، حسبه، العربي الوطني الذي يمثل شريحة أخرى أعلى شأنا من الأولى، لأنه على خلافها يمتلك حسا وطنيا صنعته صلته بالاستعمار، كما شكلت الخطابات الثورية أفق انتظاراته، فهو يطمح إلى دولة وطنية، وشعب متحد، وزعامة قيادية تقوده إلى الرقي الخير. غير أن محصوله المعرفي ضحل لا يمكنه من إدراك حقيقة الصراعات التي تسكن الزعام..وهناك كذلك، حسب الدكتور مونسي، العربي المؤدلج، وهو العربي الذي عملت الأوساط الثقافية والمعرفية على إنتاجه، من خلال البرامج والكتب والنشريات، ومن خلال دعاة المنهج والأيديولوجيا في الجامعات والمعاهد، وقُدم له الواقع العربي على أنه واقع عليل مريض يجب إصلاحه بما صلح به غيره من المجتمعات المؤدلجة، ومن ثم انحصر فهم هذه الطبقة في الأيديولوجيا، وما تبشر به من مستقبل، وما تسعى إلى تحقيقه من واقع.كما يوجد، حسب تحليل الدكتور مونسي، العربي المثقف، هذا النوع من الإنسان العربي يشمل عدة أطياف منها: العربي المستغرب الذي اغترف ثقافته ورؤاه وتصوراته من ثقافة أخرى، ثم راح يجتهد في أقواله وأفعاله وكتاباته للتمكين لها، معتقدا أشد الاعتقاد أنها المخرج الوحيد له ولغيره من ورطة الزمان العربي المتردي، وأن النموذج الغربي جاهز بين يديه يمكنه الكيل منه بالقدر الذي يشاء في الوقت الذي يشاء. غير أنه في فعلته تلك يمثل العبد المسلوب الإرادة الذي لا يملك حريته إلا من خلال الوهم الذي يسكنه باعتقاده أنه منتم إلى جهة، وأن تلك الجهة صادقة في عالميتها وانفتاحها على الآخر، متناسيا تاريخها الدامي القريب أو البعيد، مؤمنا أن ما تم فيه من تجاوزات إنما كان ثمنا للتحضر والحداثة. والعربي العروبي: ربما يكون ظله قد تراجع كثيرا في ظل خيبات العربي وتراجع القومية العربية، وخفوت أصواتها في المنابر السياسية والفكرية والأدبية، غير أنه يمثل العربي الذي حاول أن يعود أدرجه إلى عمق التاريخ، معتقدا أن الانطلاقة يجب أن تكون من هذه الفسيفساء التي شكلت العربي الأول قبل أن توحده اللغة في شبه الجزيرة العربية. والعربي المسلم: يمثل هذا الأخير وجها يجذب إليه أنظار الداخل والخارج، غير أنها أنظار أطماع وتوجس وخيفة.. ومن ثم فحقيقته لا تُلتمس من خلال المنهج الذي ينتسب إليه باعتباره مسلما، وإنما ينظر إليه من خلال “فهمه” لهذا المنهج أولا، ثم من خلال ما يراد له من طرف أولئك الذي يحاولون تحريك هذا المنهج لصالحهم. وهذا ما يفسر كثيرا من الاضطراب الذي يعيشه هذا الإنسان، حينما يجد نفسه محاصرا في خلواته من طرف من يفسرون له دينه كل حين على لغة من اللغات، وعلى هيئة من الهيئات أحيانا أخرى. أما العربي النخبوي: أفردناه هنا أخيرا، لأننا نرى أن كل الأقنعة إنما تؤمن بفكرة أو تحلم بحلم أو تتجه إلى وجهة محددة. سواء اعتقدت فيها المخرج أو سيقت إليها بخطاب أو وعد أو غيره من وسائل التكييف. بيد أن العربي النخبوي قناع انتهازي لا دين له ولا فكر، وأنه لا يبصر أبعد من مصلحته الآنية حتى وإن تمظهر بصفات المثقف الذي يمتلك المعرفة الدقيقة والخبرة الميدانية. وأنه في مقدوره أن يعدد ألسنته في خطاباته وأن يتمظهر وقت الحاجة بأقنعة المواطنة والعروبة والإسلام.. لأنه خريج الجامعات ورائد المخابر والمؤتمرات.. ولكنه في كل ذلك لا يملك فكرة تؤويه عند اشتداد العواصف، فهو يفضل أن يتخذ مأوى في حجر غيره إذا وجده أمامه جاهزا مريحا.. والخيانات في الواقع العربي تأتي من هذه الطبقة التي عادة ما تكون فريسة سهلة للماسونية والنوادي العالمية المعروفة. ومن ثم سيكون ولاؤها الأبدي لهذه الدوائر مهما أخرجت للناس من أغاني الوطنية، ومهما كان لها من تاريخ في ذلك الادعاء..وأخيرا.. تساءل الدكتور مونسي قائلا: “من هو العربي؟ الذي يمكن أن نبني على عاتقه مستقبل العروبة؟ أو الوطنية أو الأصالة؟ أو الحداثة؟؟ من هنا يبدأ السؤال.. ومن هنا قد تبدأ الإجابة في يوم من الأيام”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: