"الطائفية سلاح قذر تستعمله السعودية لضرب السنة والضحايا شيعة"

+ -

كيف تنظرون إلى التصعيد في العلاقات الإيرانية السعودية التي بلغت حد القطيعة؟ نحن كعرب ومسلمين يفترض أن تكون لغة التسامح والتعاون والتضامن هي السائدة بيننا، فنحن أمة واحدة كما قال الله عز وجل في كتابه الحكيم “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، ولا ينبغي لنا أن نتأثر بما يجري حولنا من تطورات، سواء كانت سلبية أو إيجابية، هذه المسألة الأولى، أما الثانية فيجب الإشارة إلى أن غياب روح الرحمة ما بيننا يؤدي إلى ظروف قلق كبير، فقضية إعدام رجل الدين المعارض الشيعي السعودي الشيخ نمر باقر النمر غير مبررة، فالرجل لم يدع أبدا إلى العنف، إلا أنه أعدم فقط لأنه طالب بالإصلاح، والعالم العربي عانى كثيرا من ويلات ما يحدث في ظل غياب الإصلاح، والجزائر تدرك معنى ذلك أكثر من غيرها، وهي التي سقط فيها أكثر من 200 ألف قتيل خلال العشرية السوداء، لكن الآن استقرت الأمور وأضحت على قدر من التفاهم والأمن والأمان، سواء أكان جزئيا أو كاملا، المهم أن الإصلاحات التي تمت أتت بنتيجة، والمحاولات الخارجية المتطرفة لم تنجح ولم تؤثر على النسيج الاجتماعي الجزائري، رغم تلك التي قد أسقطت ضحايا هنا أو هناك. شخصيا أرى أن الجزائر من بين أكثر الدول العربية والإسلامية الأقدر على حلحلة الأمور في المنطقة، خاصة أنها تاريخيا نجحت في التوسط في العديد من القضايا، مثلما كان الحال بين العراق وإيران سنة 1975، بين الشاه وحزب البعث النظام الحاكم في العراق وقتها، حيث نجحت الجزائر في تسوية الخلاف وترسيم الحدود ما بينهما في ما يعرف باتفاقية الجزائر، كما نجحت في إطلاق سراح طاقم السفارة الأمريكية الذين احتجزوا في إيران، وهناك عدد من القضايا التي تدخلت فيها الجزائر وكانت الوساطة ناجحة فيها. وإذا عدنا إلى قرار السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، فإن المتربصين والطامعين لا يخدمهم أن تكون الأمة العربية والإسلامية موحدة، بل الأمر يقلقهم، والسعودية مؤخرا تتصرف دون حكمة، وهو ما لا يؤدي إلى الاستقرار، ولعل ذلك يظهر جليا في الملف اليمني، حيث تطلق الحمم في اليمن على الشعب، ولم يكن هناك داع لإطلاق تلك الحرب الشرسة، فالأمر لا ينسجم بأي حال من الأحوال مع أخلاقنا الإسلامية.ما مدى تأثير قرارات قطع العلاقات مع إيران؟ وكيف تفسرون تباين التعاطي مع مسألة الخلاف السعودي الإيراني؟القطيعة مزعجة، والله لا يقطع نصيب وأرزاق أي إنسان، وبذلك فالأمر لن يؤثر لا على السعودية ولا على إيران، إلا أنها ستؤدي إلى ضعف عام للأمة، وإلى تعميق الشعور بالحقد والكراهية، في وقت نحتاج إلى تضافر الجهود لمواجهة الطائفية والإرهاب. كان من الأجدر أن تلتقي السعودية وإيران على أرضية واحدة بدل القطيعة، هذه الأخيرة لها تأثير في تأجيل الإصلاح في المنطقة، وقد كنت دوما أتطلع إلى حالة من الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي، فأنظمة هذه الأخيرة جامدة منذ خلقها الله، فلا ديمقراطية ولا تبادل على السلطة ولا إشاعة للحريات. أما فيما يتعلق بالتباين بين مواقف دول مجلس التعاون الخليجي، فالأمر صحيح، البحرين سارعت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وذلك بسبب كونها امتدادا للسعودية، أما الدول الأخرى فلم تتأثر كثيرا بقرار قطع العلاقات الذي اتخذته السعودية، أما سلطنة عمان فمواقفها كانت دوما مغايرة لمواقف دول مجلس التعاون، وهو ما لمسناه من قبل في الملف اليمني، حيث رفضت المشاركة في الحرب لإدراكها أن ذلك لا يؤدي أبدا إلى ضمان الأمن في المنطقة، والسعودية لم تحصل إلى الآن على ما تريد.. وقد تعودنا على أنها لا تمضي لوحدها بل تفضل أن تكون قائدة لتحالفات على غرار التحالف العربي، والتحالف الإسلامي الذي أدرجت فيها العديد من الدول دون استشارتها حتى. ووجب الإشارة إلى أن السعودية لها أزمة داخلية بسبب النفط، إلى جانب حرب اليمن التي تورطت فيها وأدت إلى إشكاليات حتى مع دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب أنها تعاني في الداخل وتحديدا في العائلة الحاكمة، فالإستراتيجية الحالية تتمثل في استبعاد الكفاءات الأقدم والأكثر خبرة والأكبر سنا، وهو ما لن يؤدي إلى الاستقرار، فالسعودية تتطلب الآن وجود رجلا رشيدا.ألا تعتقدون أن الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد كان خطأ، وهو ما يفسر الاعتذار الضمني للحكومة الإيرانية؟ لا أحد ينكر بأن الخطوة تتنافى مع ضوابط العلاقات الدبلوماسية، هناك أناس منزعجون من إعدام الشيخ نمر باقر النمر كونه رمزا وعالما كبيرا، وحتى أكون أكثر دقة، كنت منذ أيام فقط من فعاليات مؤتمر الوحدة الإسلامية في إيران ولم أر أحدا من المسؤولين يقر بذلك، الآن الأكثر أهمية ليس أن نقر أو لا، بل تبعات الاعتداء، والأكيد أن وزارة الداخلية الإيرانية تعمل الآن على جمع كل المعطيات الضرورية لمعرفة ظروف الحادثة وأخذ الإجراءات اللازمة، ومن حق السعودية أيضا المطالبة بما تراه، لكن كان من المفروض أن لا يرتبط الأمران لو كانت هناك رغبة حقيقية بالإبقاء والحفاظ على العلاقات بين البلدين، فالقضية في حقيقة الأمر تتعلق بصراع نفوذ.تطرقت إلى نقطة صراع النفوذ، لكن هل يمكن أن يكون للخلاف الإيراني السعودي أوجه وأبعاد طائفية أيضا، خاصة أن هناك العديد من الملفات بين الجانبين، العراق وسوريا واليمن؟ حسب نظرتي الخاصة، فإن الطائفية صراع قذر تماما كالكيماوي، مثلها مثل الجيش الذي لا يلتزم بالأخلاق، وأنا شخصيا أمثل الطائفية بهذه الصورة، فبعد الربيع العربي وثورة في سوريا وثورة في مصر وثورة في البحرين، وثورة في اليمن وتغيير في العراق، السعودية تفكر بأن الثورة ستكون عندها غدا في الرياض، فالربيع العربي فاجأ السعودية وحلفاءها، وعليه اختارت الطائفية التي أرى أن الهدف الأكبر منها هو ضرب السنة بعيدا عن فكر النفير، وضحاياها هم الشيعة.السعودية ترى أنها إن لم تفعل هذا فإن الشعوب العربية ستستمر في خلق ثورات للربيع العربي، ولما تمكنت من إخماد نيرانها التي هي الأولى من نوعها في زماننا، ففي كل مكان هناك ثورة، وبالمختصر فالطائفية تستخدم لكسر إرادة ومعنويات الشعوب وإبعادها عن طموحها، فالسنة والشيعة موجودان منذ أكثر من 1400 سنة، وكانت دوما متعايشة، والساسة هم المختلفون وليس علماء الدين السنة والشيعة.. الساسة يضحون بأمة من أجل قضية لهم أو لعائلاتهم.ما هي الآليات التي تملكها إيران لتسيير أزمة جاءت في وقت تحاول فيه تجاوز تبعات الحصار الذي فرض عليها لسنوات ونجحت في افتكاك اتفاق نووي تاريخي؟ إمكانيات إيران محدودة، فهي دخلت حربا مع العراق ولا تريد التورط مع دول أخرى، ويتحاشون الحرب، كما أن إيران تعتقد أن ضرب الربيع العربي هو ضرب لها بمعنى ضرب للصحوة الإسلامية، ويشعر الإيرانيون أن القضية الفلسطينية أصبحت مهمشة وبعيدة عن الوجدان، وأكبر دليل على ذلك عدم تسجيل ولا مسيرة واحدة في أي دولة كانت مساندة وداعمة للفلسطينيين بانطلاق الانتفاضة الثالثة، بل وحتى في مؤتمر الصحوة الإسلامية في طهران لم يحضر أحد من المرموقين السنة من الدول العربية والإسلامية، ولا حتى من الأزهر، وكانت المشاركة كثيفة لكن لأشخاص عاديين، وهو ما يجعل إيران ترى بأن مشاريعها مجمدة، بما فيها مشروع الوحدة الإسلامية، وبذلك ليس لإيران سوى الطريق الدبلوماسي، وتنتظر مبادرات ذات ثقل دبلوماسي في العالم الإسلامي، ومنها الجزائر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: