"لا أرى مستقبلا اقتصاديا لإيران في المنظور القريب"

+ -

كيف تنظر دول المحيط والجوار الإيراني لرفع العقوبات الاقتصادية على طهران؟ بداية القول هو أن رفع العقوبات على إيران مكسب للدبلوماسية الأممية، فرفعها قد يسهم في إزالة التوتر القائم في المنطقة، ما نسعى إليه من منظورنا القومي العربي ومتطلبات الأمن القومي العربي هو أن الأمن والسلام مطلب إنساني أول، ورفع العقوبات قد يسهم في ترويض الثورة الإيرانية الجامحة الآن.أفهم أنك ترى بأن رفع العقوبات يؤثر إيجابا لا سلبا على دول الجوار والمنطقة.. نعم يؤثر إيجابيا، لأن إيران في الفترة السابقة كانت جامحة بتوجهاتها، الآن المجتمع الدولي وفي ظل التنظيم الدولي الحديث القائم، والتقارب الأمريكي الإيراني، قد يحد من التوجه السلبي من قبل إيران نحول دول الجوار، عسى أن يحكم العقل والدبلوماسية الرشيدة بالاتجاه الإيجابي بدخول إيران في المعترك الدولي، ورضوخها كدولة سيادية لواجبات وحقوق الدول، في ظل القانون الدولي العام المنظم للعلاقات الدولية.ما الذي سيتغير جوهريا مع خروج إيران من عزلتها الإقليمية والدولية؟ أرى أن الاتجاه الإيراني الحديث سيخضع إلى المعايير والموازين الدولية الحاكمة في ظل التنظيم الدولي الحديث، لا يخفى أن القانون الدولي العام يخاطب الدول، وهذه الأخيرة لها حقوق وعليها واجبات أدبية وقانونية وتعاملات دبلوماسيات وفق محددات الميثاق الأممي واتفاقيات فيينا. ما حدث الآن من اعتذار رسمي، وعلى منبر مجلس الأمن، عن اقتحام السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، يدل على أن إيران تتجه نحو الخضوع لاتفاقيات فيينا ومحددات ومطالب ميثاق الأمم المتحدة والتعامل الدولي، إذا إيران ستدخل المعترك الدولي خاضعة ومقرة لبنود معاهدة فيينا، ومحددات ميثاق الأمم المتحدة الذي يقر بحد ذاته بحفظ الأمن والسلام الدوليين، وأن تلتزم بذلك.. أرى أن خروج إيران من عزلتها قد يسهم في علاقات إيجابية تحت سقف أحكام الميثاق الأممي.إيران كانت توصف سابقا بأنها دولة مارقة حسب بعض الدول الغربية، الآن جلسوا على طاولة واحدة متقابلين، الدبلوماسية هي أعلى مراحل الفن السياسي، وصولا إلى محددات ومشتركات خادمة للأمن والسلم الدوليين كما أرى.ما هي طبيعة التحفظات والمآخذ على سياسة إيران الإقليمية؟ وما مرد المخاوف التي تجعل من إيران خصما وعدوا لدول وأنظمة المنطقة؟ ابتداءً العرب والمسلمون قد استبشروا خيرا بإسقاط نظام الشاه الذي كان شرطي الولايات المتحدة الأمريكية المنفذ لسياساتها الاستراتيجية قصيرة وبعيدة المدى في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا منطقة الخليج العربي المهمة لتصدير النفط كمصدر طاقة إلى شرق آسيا وجنوبها وأوروبا الغربية والولايات المتحدة، لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979، أول شعار رفع هو تصدير الثورة الإسلامية واجتياح دول المنطقة عبر ما يسمى إسقاط الأنظمة الموالية للولايات المتحدة، لا ننسى بأن صناع القرار في إيران ربما يكونون أكثر من طرف واحد، هناك مجلس تشخيص النظام، وهناك رئاسة الجمهورية، وهناك أيضا الحرس الثوري الإيراني، مخاوف المنطقة الإقليمية التي ترى من إيران خصما وعدوا لها راجعة إلى التهديدات التي بانت عبر تسليحها وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول بحجة حماية الأقليات الشيعية، متناسين أن هذه الأقليات عرب أقحاح اختلفوا واجتهدوا في المذهب برؤيتهم للدين الإسلامي، لكنهم يبقون مواطنين في تلك الأقطار العربية، والعراق كنموذج مجسد للتدخل الإيراني السافر العلني، وتسليحها للميليشيات يجعل دول المنطقة تترقب الدور القادم لها عبر التهديدات الفعلية من الأجهزة والمسؤولين الإيرانيين سرا وعلنا، ونرى تدخلاتها في البحرين، وكذا في العراق وفي سوريا، من خلال هذا المؤشر نجد أن المواطن العربي والنظام الرسمي في المشرق العربي يتخوف من التمدد الإيراني المعلن والمبطن، ولهذا ترى الشعوب العربية بأن نجلس على طاولة مفاوضات وحوار للتقريب والتخفيف من حدة المنازعات، لكن للأسف إلى الآن لم يلح في الأفق مثل هذه المبادرة.لا ننسى أن هناك شططا بالتفكير من كلا الطرفين، هذا الطرف متخوف من إيران، وهذه الأخيرة تريد أن تكتسح المنطقة بحجة إزالة أنظمتها التابعة للولايات المتحدة كما ذكرت آنفا، وهي الآن تجلس بعد أن أسقط تفاوضُها بالملف النووي لقب “الشيطان الأكبر” الذي كانت تصف به الولايات المتحدة، وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى لبواطن السياسية ولما تحت الطاولة.. هذا ما أراه، وأنا عراقي أعيش في العراق وأعرف مدى التدخل الإيراني والتغيير الديموغرافي المذهبي الذي يحدث للأسف عبر ميليشيات إيرانية مدعومة ومدربة ومسلحة ولها الغطاء، الآن هذه الميليشيات المذهبية الطائفية قد تغولت بشكل كبير، ليس بالإزاحة، بل بالإبادة الجماعية للطرف الآخر، وللأسف يوصم النظام الإيراني أو الحكومة أو الجمهورية الإيرانية الإسلامية بأنها دولة مهددة للأمن القومي العربي. ليس في رقابنا بيعة لأي نظام عربي، ما نسعى إليه هو حسن الجوار وجلوس العرب والإيرانيين على طاولة الرشد، والتفكير بمصالح الأجيال الحاضرة والمستقبلية حفظا لأمن وسلامة هذه المنطقة الحيوية من العالم، إيران للأسف تغولت كثيرا، وهذا التخوف، من وجهة نظري أنا كعراقي وكعربي أولا وأخيرا، في محله، لكن السياسة هي فن الممكن، والراشدون من الحكام وصناع القرار لا بد أن يجلسوا مع إيران، وعلى هذه الأخيرة أن تعرف حجمها وحجم دول الجوار، لكي تنعم المنطقة بالأمن والسلام الخادم لشعوبنا من أجل بناء التنمية وخططها، كفانا دما، كفانا عداوات، كفانا كفانا كفانا..يعتبر متتبعون للشأن الإيراني أن استعادة طهران لقوة تأثير فعلية يتطلب عدة سنوات، لأن اقتصادها تأثر كثيرا جراء سنوات الحصار، وأن تدارك الوضع يتطلب أعواما أخرى. ما رأيك؟ أتفق معك، استعادة إيران لقوة تأثير فعلية يتطلب سنوات كثيرة، وأنا أرى أن هذه السنوات قد تتجاوز أكثر من عقد من الزمن، لأن الاقتصاد الإيراني قد تأثر فعلا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، ناهيك عن انهيار أسعار النفط العالمية، وإغراق السوق العالمية بالنفط من خارج منظمة أوبيك، وعدم خفض منظمة أوبيك لمنتوجاتها الدولية المطروحة في الأسواق، ما أدى إلى انخفاض حاد في الأسعار بنتيجة إغراق سوق النفط. إيران لن تستفيد كثيرا بوضعها الحالي وبوضع الأسعار المتدنية للنفط، دون إغفال أن لها التزامات في تسليح وتدريب المليشيات العراقية والميليشيات الأخرى، إلى جانب التزامها في سوريا ولبنان، وتغطيتها للعديد من العمليات، وفي اليمن بمساندتها للحوثيين في الحرب الدائرة في المدن اليمنية. لا أرى أن هناك مستقبلا اقتصاديا لإيران في المنظور القريب، وقد يسود التدهور في الاقتصاد الإيراني لأكثر من عقد، والتدارك الإيراني بخططه المستقبلية لن يجد رأس المالي الكافي لمشاريع التنمية أو المشاريع الأخرى التي يلتزم بها تبنيا للكثير من الأحزاب والمناصرين له في المنطقة وفي إفريقيا.هل ستشكل إيران منافسا اقتصاديا للدول الفاعلة في المنطقة؟ وما هي البدائل المتاحة لدول الجوار لتحصين نفسها من الاختراق الإيراني؟ لا أعتقد بأن إيران ستشكل دولة منافسة للدول الفاعلة في المنطقة سياسيا، اقتصاديا ربما، ولو أن الاقتصاديات والمنتجات الإيرانية لم تجد لها أسواقا سوى في العراق والقليل من دول المنطقة، وخصوصا في الشرق الإفريقي، وهذه الدول أحجمت الآن في ظل التحالف العربي الإسلامي عن التعامل اقتصاديا معها، والدليل على ذلك قطع السودان لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران، والحدود الباكستانية شبه مغلقة تجاريا وسياحيا، ولم يبق لدى إيران إلا المنفذ الإيراني وإغراق السوق العراقية بالبضائع الإيرانية الرديئة التي اكتشف المستهلك العراقي إما رداءتها أو انتهاء صلاحيتها، وهذا سيسبب ضربة للاقتصاد الإيراني.دول المنطقة الآن قد نجحت في تحصين نفسها سياسيا من الدور الإيراني، وأصبح الرائج سياسيا عبر صناعة الرأي العام المتشكل في دول المنطقة بأن العدو الأول هو إيران وليس إسرائيل، وللأسف أقول إن السياسة الغربية نجحت، ونتيجة لأخطاء السياسة الإيرانية، بتسويق العدو الوهمي للعرب وتحويل أنظار الجمهور العربي من العدو الأول، ألا وهو إسرائيل، إلى عدو مختلق، ولذا نرى عدم تقبل للنهج الإيراني في دول المنطقة العربية ودول الجوار، ودول الخليج العربي متفهمة للدور الإيراني وخاشية من هذا الدور، لأن السياسات الإيرانية، وبصراحة أقولها كمطلع وكمراقب للشأن الإيراني والعراقي والعربي ككل، قد أخطأت تسويقا لنفسها في المنطقة، وهذا ما توافق مع التوجه الصهيو أمريكي بجعل إيران العدو الأول في المنطقة للعرب، ونجحوا في ذلك من خلال ما قدمته إيران عبر وكلائها أو من ينفذ أو من يصدر برامجها على الأرض العربية نيابة عنها، عبر أذرعها أو أعوانها، كما يصرح القادة الإيرانيون مرارا وتكرارا بأن الهلال الشيعي قد امتد إلى عواصم عربية، بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، وهذا ما جعل الجمهور العربي في المشرق يتوجس من الدور الإيراني، وهذا تتحمله القيادة الإيرانية سياسيا واستراتيجيا، وهو نجاح للسياسة الصهيو أمريكية بتشكيل رأي عام عربي عبر الإعلام يعتبر إيران هي العدو الأول، أرى أنه لابد من الحكمة وجلوس العقلاء كما قلت سابقا على طاولة حوار، لأن إيران جار أزلي للعرب، ولا يمكن أن نبقى في حالة تصادم وتصارع معه، على القيادة الإيرانية أن تجلس وتراجع نفسها وخطابها وعلاقاتها مع دول المنطقة، وخاصة دول المشرق العربي، وإزالة أي تخوف أو هاجس للتخوف عند الشعوب، وهذا قد يسهم في إطفاء جذوة العداوة الكامنة التي طفحت في نفوس الرأي العام، هذا الأخير في المشرق العربي وعدم تقبله للدور والخطاب الإيراني أدى إلى تراكم أخطاء الساسة الإيرانيين بخطاباتهم الإعلامية، وما تفعله المليشيات الموالية لها والمحتكمة للقيادة الإيرانية تنفيذا لأجنداتها، وما جرى في محافظة ديالة الحدودية المتاخمة لإيران شرق بغداد من تطهير عرقي زاد الطين بلة، وزاد من المخاوف بأن هناك توسعا وتغييرا ديموغرافيا لصالح طائفة معينة يحكمها مذهب معين، تحت ولاية الفقيه.تتعدد الملفات الخلافية بين إيران ودول الخليج، من قضية الجزر إلى اليمن وسوريا والعراق. كيف تتوقع تطور مثل هذه الملفات مع تدعيم موقع إيران؟ وما مدى فاعلية التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي اعتُبر آليةً رادعة لطهران وحلفائها أيضا؟ نعم ملفات الخلاف بين إيران ودول الخليج، مرورا بالجزر إلى سوريا إلى ذراعه في لبنان حزب الله والحوثيين في اليمن، وتدخله في العراق وتأثيره في رسم السياسة بالنسبة للحكومة العراقية الحالية، كل هذا يجعل من إيران عدوا وهميا في المنظور السابق، أما الآن فاعتُبرت إيران راعية للإرهاب من المنظور العربي وداعمة لعدم الأمن والعمل على الاضطراب في المنطقة. التخوف الاستراتيجي عند الكثير من المتتبعين بأن هناك خرائط جديدة لشرق أوسط جديد على أنقاض خرائط سايس بيكو، وهو ما أدى إلى الدور الإيراني الفاعل تشطيرا مذهبيا وتغييرا ديموغرافيا للكثير من المناطق، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان، وتغوّل حزب الله في الشأن اللبناني، كل هذا يجعل من التفاهمات ضرورة حاضرا أو مستقبلا. التخوف من أن يكون لإيران توكيل في الشرق الأوسط الجديد رسما لخرائطه، هو ما قد يجعل على الأرض هذا الرسم الجديد قائما.أما عن فعالية التحالف الإسلامي ضد الإرهاب كما أعلن عنه، لكنه ضد التغول والتمدد الإيراني في الحقيقة، فلا يخفى على أحد بأن التحالف العربي الإسلامي قد يشكل أداة ردعية مؤقتة للإرهاب، وهذا الأخير مسبباته كثيرة ومتعددة، الإرهاب مختلق لتفتيت الأمة العربية وتدمير الدول التي نالت استقلالها واستطاعت أن تبني جيوشا واقتصادا، من العراق إلى سوريا إلى ليبيا، والآن اليمن تدمر، والاتجاه إلى الغرب أو الشمال الإفريقي أو المغرب العربي، فأحداث تونس لم تأت من فراغ، إنها حسب مواسم وتوقيتات الأهلة الأمريكية ومشارط برنارد ليفي، مهندس ما يسمى الربيع أو الخريف العربي، للأسف هو ليس ربيعا عربيا بل تدميرا عربيا بمقاتلين بالنيابة عن مشاريع برنارد ليفي التي تمثل مشاريع الكيان الصهيوني، وبهذا يُعتبر التحالف العربي الإسلامي في رأيي الخاص موجها للتهديد الإيراني الذي قال بالحرف الواحد سوف نمحي الرياض ونعود من مكة بالصندوق الأسود، ويقصدون به الحجر الأسود في مكة. ما أقوله ليس اتهاما وإنما هو مسجل عن مسؤول إيراني رفيع. وتاريخيا تم استلام الحجر الأسود لمدة 11 عاما من قبل القرامطة، ونقلوه من مكة المكرمة إلى البحرين في القرون الماضية.أرى أن آلية وتفعيل التحالف العربي الإسلامي قد يكون بديلا للتفاهمات الأمريكية الإيرانية التي قد تكون تحت الطاولة، لتفاهمات مستقبلية لرسم شرق أوسط جديد، هذا التحالف هو تحصين للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وليس رادعا لإيران.. قد يقص هذا التحالف بعضا من أجنحة إيران وأذرعها في العراق، وفي سوريا، أما قضية اليمن فلن تنتهي إلى غاية تدمير أغلبية المدن اليمنية، هناك اتفاقات قد تكون تسريبات بين المملكة العربية السعودية والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح بضمانات أن يترك تحالفه مع الحوثيين، هؤلاء وضعهم لا يحسدون عليه في اليمن، لذا فمسألة اليمن محسومة لكنها قضية وقت، وكذا العراق الآن مسألته محسومة، وربما في شهر جويلية تحسم كل الأمور.. الملف العراقي مرتبط بالملف السوري، فالترابط بينهما تحكمه اتفاقات تحت الطاولة لشرق أوسط جديد، لأن التسريبات كلها تقول إن العراق وسوريا لن يعودا في المستقبل القريب دولا موحدة، وهذا ما نخشاه من تمدد وتقلص أكتاف لبعض حدود سايكس بيكو، لذا أرى بتواضع أن المستقبل فيه ضبابية للمشهد العربي.. ربنا يسلم الجزائر وأقطار المغرب العربي لكي لا تلتحق بركب الدمار الذي تشهده العراق وسوريا واليمن.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: