+ -

ماذا يعني رفع العقوبات التي فرضت على إيران ،والمرتبطة ببرنامجها النووي؟ رفع العقوبات الاقتصادية على إيران مهم جدا، فإيران ظلت لمدة 10 سنوات تحت عقوبات طالت مجالات النفط والغاز والبيتروكيماويات والنقل البري والبحري والجوي، التأمين على النقل وعلى الصادرات والواردات وعلى البنوك ونقل الأموال و “السويفت”، انتقال الأموال ما بين البنوك والبنوك ومن البنك المركزي الإيراني، فالمقاطعة الاقتصادية كانت مؤذية لإيران، الآن إزالة العقوبات الاقتصادية بالتأكيد سوف تساهم في حركة الاقتصاد الإيراني، وإعادة ترتيب الوضع الاقتصادي الإيراني في كل المجالات، وتؤثر أيضا على الوضع الاقتصادي الإيراني الداخلي، خصوصا في ظل انخفاض أسعار النفط، وبذلك حققت إيران إنجازا كبيرا عندما استطاعت أن ترغم الدول الغربية بإزالة كل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها على خلفية البرنامج النووي الإيراني دفعة واحدة، وهذه نقطة تحسب لحكومة الرئيس حسن روحاني ولفريقه المفاوض الذي قاده وزير الخارجية محمد جواد ظريف.ما هي أهم المكاسب السياسية والاقتصادية التي تجنيها إيران مقابل رفع العقوبات؟ أعتقد أن الاتفاق النووي لإيران حقق جملة من المكاسب، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، في سبيل التوصل إلى الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1. أولا إيران استطاعت أن تجلس مع أكبر وزراء خارجية في العالم، وهم أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين بالإضافة إلى ألمانيا، واستطاعت خلال 10 سنوات أن تتفاوض على برنامجها النووي، هذه نقطة مهمة أعطت نموذجا للمفاوضات لدول العالم الثالث، باعتبار إيران دولة من دول العالم الثالث، استطاعت أن تنجز مثل هذا الإنجاز ومثل هذه المفاوضات الماراطونية الشاقة مع الدول الكبرى في العالم.النقطة الثانية هي أن إيران من خلال هذه المفاوضات استطاعت أن تقنع الأسرة الدولية بالاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي، هذه النقطة في غاية الأهمية، ففي بداية المفاوضات كلنا يعلم أن الدول الغربية كانت تقول بشكل واضح إن إيران لا يمكنها تخصيب اليورانيوم بأي نسبة كانت، أما إيران فكانت تصر على أن لها الحق في تخصيب اليورانيوم، الآن بعد كل هذه المفاوضات استطاعت إيران أن تقنع الجانب الغربي بحقها في تخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي، بل أكثر من ذلك أقنعت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي على استصدار قرار جديد وهو 2231 من مجلس الأمن الدولي، والذي يعطي أو يعترف بأحقية إيران بذلك، ومعنى ذلك أن الأسرة الدولية، بما فيها مجلس الأمن الدولي، أعطتها الحق في أن يكون البرنامج النووي الإيراني برنامجا وطنيا إيرانيا، بمعنى أن إيران التي استطاعت أن تنتج أجهزة الطرد المركزي وتبني مفاعل آراك النووي، حصلت الآن أيضا على اعتراف بقدرتها وحقها في إنتاج الوقود النووي، وبذلك وكما كانت تقول من قبل فقد حصلت على الدورة الكاملة للتقنية النووية، بداية من استخراج مادة اليورانيوم وتصنيعها وتحويلها إلى مادة الكيك الأصفر، ثم تخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي.النقطة الثالثة هي أن إيران استطاعت أن تخرج من الفصل السابع، وكل الدول التي أدخلت من قبل مجلس الأمن الدولي لهذا الفصل لم تخرج منه إلا من خلال حرب كما قامت في العراق، أو من خلال تفكيك البرنامج النووي كما حدث في النموذج الليبي، إلا أن إيران استطاعت الخروج من طاولة الحوار دون حرب ولا تفكيك برنامجها النووي، وهي نقطة لم تتحقق من قبل لأي دولة سوى إيران.النقطة الأخيرة هي أن إيران استطاعت أن تلغي 6 قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي منذ 2006 إلى الآن، وتستبدلها بقرار جديد مرقم 2231.كيف تفسر زيادة حدة المخاوف من إيران من قبل دول الجوار على خلفية قرار رفع العقوبات؟ أعتقد أن حدة مخاوف دول الجوار من إيران، على خلفية قرار رفع العقوبات، ربما مبالغ فيها، صحيح أن إيران سوف تحصل على أرصدتها المالية، سواء تلك التي في الولايات المتحدة أو دول أخرى مثل الصين أو الهند، لكن في المقابل إيران لديها مشاكل اقتصادية كثيرة، في النفط والغاز، وبالتالي هي تحتاج الأرصدة لدعم عمليات التنمية داخل إيران، خصوصا أن أسعار النفط قد تهاوت كثيرا إلى ما دون 30 دولارا للبرميل الواحد.أما ما يقال عن أن إيران سوف تصرف هذه الأموال على الأسلحة ودعم حركات المقاومة، فأنا أعتقد أن إيران كان تدعم المقاومة وتصنع السلاح قبل أن ترفع العقوبات منذ 2010 إلى حد الآن، ولم تتوان عن دعم محور المقاومة الذي تقوم على أساسه الاستراتيجية الإيرانية، إيران ترى أن دعم محور المقاومة ضد إسرائيل عمل استراتيجي ينبع من الثوابت الإيرانية ومبادئ الثورة والجمهورية الإسلامية. وبالتالي فليس هناك مبرر لمثل هذه المخاوف، خصوصا إذا استطاعت دول الإقليم أن تجلس على طاولة واحدة وتبحث كل الخلافات الموجودة.ألا يمكن أن تساهم القطيعة بين الرياض وطهران وتبعيتها مع تشكيل تحالف عربي ضد الإرهاب في المنطقة ومقاطعة عدة بلدان جهود إيران للخروج من العزلة؟ بخصوص قضية الرياض وطهران، أنا أعتقد أنه كان طبيعيا جدا أن تتفاقم الأزمة بينهما على خلفية التعرض للسفارة السعودية في طهران، وكان طبيعيا جدا أن تنفجر هذه الاختناقات في العلاقة عند كل حادث مهما كان كبيرا أو صغيرا، كان من المفترض أن تتفجر في حادثة منى في موسم الحج الماضي، لكن يبدو أن البلدين استطاعا استيعاب الحادث، ولم ينعكس على العلاقات، لكن حادث السفارة فجرها، الآن الخيار الوحيد الموجود بين البلدين هو الجلوس على طاولة الحوار من أجل التفاهم على القواسم المشتركة، ويتفقا على نقطة وسطى بينهما بما يخدم ليس فقط مصالح البلدين وإنما دول وشعوب الإقليم، وأنا أعتقد أن ذلك ممكن في حال توفرت النوايا لدى كلا البلدين، وتوفرت الإرادة السياسية من أجل معالجة المشاكل في إطار حوار استراتيجي فعال.كيف تقرءون علاقة إيران بمحيطها العربي وتعاملها مع أبرز الفاعلين لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا؟ بعد أن توصلت إيران إلى الاتفاق النووي مع الدول الغربية، وتحديدا مع الولايات المتحدة، أعتقد أن هناك أجواء مريحة الآن وهناك ظروف جديدة ومصلحة إيرانية وغربية في الولايات المتحدة أو أوروبا لتعزيز هذه العلاقات، لأننا الوضع الاقتصادي في أوروبا والولايات المتحدة لا يحسد، إيران دولة تملك سوقا واعدة وتريد أن تستثمر في الكثير من مجالاتها الاقتصادية، وتحتاج إلى رأسمال أجنبي، وفي المقابل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، شركات النفط والغاز والطيران والنقل البري والتأمين، تحتاج إلى سوق مثل إيران، وهذه الأخيرة باستطاعتها بما تملكه من إمكانات فنية وبشرية بالقوة العاملة والمهندسين أن تكون قطبا اقتصاديا يمكن للاستثمارات الأميركية والأوروبية من خلاله إعادة التصدير إلى دول الشرق الأوسط، كل هذا ممكن في ظل هذه الأجواء المريحة الموجودة حاليا في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، هل هذا الأمر سيتحقق؟ أنا أعتقد أنه مرتبط بسلوك الدول الغربية، وهناك إرادة عند هذه الأخيرة.ألا تعتقد أن حالة الاحتقان والحروب في المنطقة تؤثر سلبا على موقع إيران، خاصة في سوريا لأنها تشكل مصدر استنزاف للقدرات؟ إيران لديها مشروع في هذه المنطقة، وهي لن تخفي هذا المشروع الذي يستند على قاعدة جوهرية ومهمة وأساسية، إيران تعتقد بأن انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب البادرة بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية أحدث فراغا أمنيا سياسيا في المنطقة، لأننا نعلم بأن منطقة الشرق الأوسط كانت جزءا من الحرب الباردة.ومنذ انتهاء الحرب البادرة بين القطبين وانفراد القطب الأمريكي بالمقدرات الأمنية والسياسية، ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط وإنما في بقية المناطق الساخنة في العالم، كانت إيران ولا تزال تعتقد أن منطقة الشرق الأوسط يجب أن لا تُعاد صياغتها من جديد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وقالت أكثر من مرة إن منطقة الشرق الأوسط وبقية مناطق النزاع في العالم يجب أن تتشكل فيها أنظمة أمنية سياسية تشارك فيها جميع دول المنطقة من أجل ملء الفراغ، وإيران تعتبر نفسها دولة كبيرة في هذه المنطقة، ولا تمانع أن يُشكل النظام الأمني من قبلها أو من قبل السعودية أو تركيا وحتى مصر، أما بقية دول المنطقة فتشارك في صياغة النظام الأمني والسياسي، بعيدا عن التواجد الأجنبي في المنطقة، فهذا النظام يضمن الأمن القومي الإقليمي. إيران ترى أن هذا هو السبيل الوحيد لإبعاد التواجد الأجنبي في المنطقة، وكذا إبعاد التواجد الإسرائيلي أيضا، لأنها تعتقد بأن إسرائيل لن ترضى بأقل من انهيار الأنظمة السياسية والأمنية في المنطقة، بالشكل الذي يجعل اليد الإسرائيلية والتفوق الإسرائيلي الذي يعمل في هذه المنطقة دون أي نظام أو دولة أخرى.كيف تتعامل إيران مع أزمة النفط وانهيار الأسعار؟ وما رؤيتك لمن يعتبر أن إيران تساهم بإعلانها رفع إنتاجها في زيادة الضغط على السوق؟ إيران طالبت منذ فترة، أي منذ انهيار أسعار النفط، بعقد اجتماع طارئ لمنظمة أوبيك من أجل تحسين السوق النفطية، وقالت أيضا إن هذه السوق يجب أن ترشد بالشكل الذي يؤثر في الأسعار، لأن انهيار السعر من 120 دولار إلى ما وصل عليه الآن بأقل من 30 دولارا كارثة تصيب اقتصاديات الدول المنتجة للنفط، إيران تعتقد أنها خلال 10 سنوات الماضية لم تستطع أن تنتج النفط في إطار الحصة التي عينت لها في إطار منظمة أوبيك بسبب المقاطعة الاقتصادية، لذا هي تعتقد أنه يجب على دول أوبيك أن تسمح لها بزيادة إنتاجها، ونحن نعلم بأن إيران لديها حصة لإنتاج النفط لدى أوبيك في حدود 2.05 مليون برميل، لكنها لحد الآن لم تستطع إنتاجها، وإنما اكتفت في أكثر الأحوال بـ1.2 أو 1.5 مليون برميل، وبالتالي حتى وإن زادت من إنتاجها من النفط فهي تزيده في إطار الحصة المقررة لها ولا تتجاوز ذلك، مع العلم أنها تطالب بزيادتها نظرا لأن كل الدول الأعضاء في أوبيك استطاعت أن تصدر حصتها في المنظمة خلال 10 سنوات الماضية.الآن لا أعتقد أن المشكل ليس في زيادة إيران إنتاجها من النفط، وإنما في التخمة الموجودة من النفط في السوق العالمية، يجب على دول أوبيك أن تفكر في دراسة الأمر، والزيادة في المعروض من النفط، لذا ليس أمام الدول المنتجة للنفط إلا أن تخفض إنتاجها من أجل السيطرة على الأسعار، لأننا نحن الآن في فصل الشتاء وأسعار النفط متدنية جدا، فكيف إذا بدأ فصل الصيف؟ أعتقد أن النفط سوف ينخفض دون 15 دولارا للبرميل، وهذه كارثة ونكسة لاقتصاديات الدول.رغم تخفيف العقوبات على إيران من قبل الولايات المتحدة الامريكية، فإن واشنطن أبقت على عقوبات واسعة النطاق تتعلق بتهم الإرهاب والبرامج الصاروخية الباليستية وحقوق الإنسان. كيف تتعامل طهران مع مثل هذا الموقف؟ الفريق المفاوض الإيراني عندما جلس مع الأمم المتحدة ومجموعة 5+1 كان محددا ويمتلك صلاحية البحث في البرنامج النووي الإيراني وما يتعلق بالبرنامج، والقيادة الإيرانية لم تعط صلاحية للفريق المفاوض لبحث أي ملف غير الملف النووي الإيراني، وبالتالي هو عمل على معالجة البرنامج والملف النووي الإيراني، بما في ذلك العقوبات المفروضة على إيران على خلفية الملف النووي الإيراني، هناك قضايا أخرى تتعلق بحقوق الإنسان وقضايا الارهاب، وقضايا أخرى ثنائية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لكن القيادة الإيرانية لم ولن تسمح للفريق المفاوض بتناول أي قضية غير الملف النووي، فالتزم الفريق المفاوض بهذه التعليمات، وناقش البرنامج النووي، وعندها ناقش هذا الأخير ووصل إلى نتيجة رفع العقوبات المفروضة على إيران على خلفية هذا الملف، وتبقى الآن قضية الصواريخ الباليستية وملف حقوق الإنسان والإرهاب، ومناقشة الملفات الإقليمية، وهذه الأمور كلها لن يتناولها الفريق المفاوض الإيراني، وهو ما جعلها تبقى على حالها مؤجلة إلى مرحلة مقبلة، من أجل أن تكون اختبارا للجانب الغربي فيما إذا كان يلتزم، ثم لكل حادث حديث، وهناك الكثير من الملفات قد يتم تناولها في المستقبل، لكن أعتقد بأن القيادة الإيرانية تريد أن تختبر الجانب الأمريكي تحديدا فيما إذا كان يلتزم حيال إيران، وعند ذلك ممكن أن يتم تناول بقية الأمور فيما يخص العلاقات الثنائية المقطوعة منذ أكثر من 37 عاما، كقضايا الأزمات في المنطقة، وكل الملفات الأخرى، وأعتقد أن تنفيذ وتطبيق الملف النووي يضع الطرفين على المحك، والجانبان يريدان أن يختبرا بعضهما، والأمر يعتمد على آليات تنفيذ هذا الاتفاق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: