الجزائريون لا يثقون في الخدمات الإدارية عبر الانترنت

+ -

يحاول المسؤولون في عدة إدارات عمومية، استمالة المواطنين وجرّهم إلى التعامل عبر الفضاء الافتراضي بتوفير خدمات إدارية عن بعد، حتى يتخلصون من شبح الطوابير الذي يلازم مواعيد دفع الضرائب والرسوم وكذا التصريح بالموظفين لدى الضمان الاجتماعي، وتسديد الفواتير ومستحقات الخدمات العمومية وشؤون أخرى، لكن الظاهر أن هذه التقنيات لم تفلح في التخفيف من وطأة الضغط، وظل المواطن يفضّل التعامل معهم بمنطق “شدّ مد” و”كاشي لي في هذه الورقة للإثبات”. علامات الاستفهام والحيرة كانت مرتسمة على نائب مدير التحصيل والنزاعات بالنيابة للضمان الاجتماعي، وهو يتحدث على عزوف أرباب العمل على التعامل معهم عن بعد، ويفضلون التنقل والاصطفاف أمام شبابيك مؤسسة الضمان الاجتماعي بالعاصمة، رغم توفير نافذة إلكترونية تسمح بذلك عن بعد. وقال “لم أجد تفسيرا دقيقا لهذا السلوك، إنهم يتحملون متاعب التنقل والانتظار أمام الشبابيك لمتابعة شؤونهم، حاولنا إقناعهم واستمالتهم بحملات إشهارية لهذه الآلية وإظهار إيجابياتها، لكن نسبة المشاركة والاستعمال لم تتخط 20 بالمائة رغم مرور أكثر من 3 سنوات عن استحداثها، فمن أصل 35 ألف مؤسسة عمومية وخاصة تنشط بالعاصمة، لم يتفاعل مع تلك النافذة الالكترونية سوى 150 مؤسسة يوميا، وعليه لم نتخلص بعد من ظاهرة “التجمهر” داخل المؤسسات”.الثقة في الختم على الورقيواصل المتحدث، رغم أن التعامل الالكتروني يقلّص هامش الخطأ، بتمكين المتعامل تدوين اسم الشركة وعنوانها، إلى جانب معلوماته الشخصية، وكذا إمكانية التصحيح الفوري في حالة الخطأ، والتصريح بقائمة العمال ووضعيتهم الجديدة، من خلال ملء الفراغات في نافذة معيّنة وإرسالها عبر الانترنيت في أي وقت، لكن المواطن أدار ظهره لها وظل وفيا لطريقة تعامله مع الإدارة الجزائرية بالورق، ولا يكتف سوى بوضع ختم على تلك الوثيقة وتخزينها في حافظة بالمكتب على أنها دليل دامغ للإثبات تحت شعار “الدولة ما فيهاش ثقة” في أي لحظة تسحب بك البساط.وقال تقني في الإعلام الآلي يشتغل بالمؤسسة وهو يشرح لنا العملية، أن التقنيين يعجزون على التنبؤ وتشخيص سلوك الجزائري في هذا الشأن. فمن جهة يطالب بتسهيل التعامل مع الإدارة وجعلها الكترونية كما في البلدان المتطورة، أين يستخرج المواطن بكبسة زر كل وثائقه ويودع جميع ملفاته ويسدد كل فواتيره، ومن جهة أخرى، لا يثق الجزائري في هذه التعاملات التي لا تزال في بدايتها ولم تعمم على كل التعاملات والمؤسسات.مواقع حكومية مهجورةفي زيارة لمقهى انترنيت على مستوى مقاطعة بوزريعة، سألنا شابا كان جالسا في الركن الأول، حول مدى تعامله مع الإدارة إلكترونيا عبر المواقع الألكترونية الحكومية التابعة للوزارات والمؤسسات العمومية، فرد بالنفي قائلا “أنا لا أعترف سوى بالتعامل المباشر الفعلي، وأتابع شؤوني الإدارية أحيانا عن كثب حتى أطمئن، ما بالك أن أترك الأمور تحت تصرف برنامج إلكتروني لا أعرف مدى نجاعته ومدى التحكم فيه داخل أروقة الإدارة”.ويذكر المواطن أن المواقع الحكومية بعيدة على يوميات المواطنين ولا تلبي احتياجاتهم ولا تجيب عن تساؤلاتهم العصرية، بحيث تتسم بتعقيدات كبيرة تجعلنا نفضل التنقل شخصيا للمصالح الإدارية بدل الاعتماد عليها، مضيفا “فالشباب يقاطع تلك المواقع رغم أنه يظل يبحر في الفضاء الافتراضي، سواء بغرض الاستعمال المهني أو التنقل بين ثنايا النسخ الالكترونية للصحف وكذلك الجرائد الالكترونية والمواقع الإخبارية لاستقاء المعلومات ومواكبة الأحداث”.يتابع محدثنا “التعامل مع الإدارة إلكترونيا عن بعد، يتحقق بعد كسب ثقة المواطن في هكذا إجراءات من خلال طمأنته بوصول المعلومة ومعالجته وموافاته بكل مراحل العملية، مع ضمان جودة وسرعة لا تتعطل بمجرد وجود اكتظاظ”.مشاريع تولد معاقةوضع بريد الجزائر بين أيدي زبائنه خدمات إدارية عن بعد، وأتاح له الإطلاع على الحسابات عن بعد، وطلب الأرقام السرية ودفاتر الشيكات، لكن المواطن لم يجد حرجا في “مقاطعتها”، إذ تعامل سوى 62.5 ألف زبون مع حسابه عن بعد، وتلقى 125 ألف رسائل نصية تشعرهم بقدوم دفتر الشيكات، و37 ألف تم إشعارهم بقدوم بطاقاتهم المغناطيسية إلى غاية الثلاثي الثاني من العام الماضي، أما خدمة “راسيمو” التي تتيح للزبون تعبئة رصيد الهاتف النقال عن طريق الحساب الجاري للمتعامل “موبيليس” عبر الانترنيت من خلال النظام المعتمد من طرف البريد، فلم ينخرط فيه سوى 4400 شخص فقط، حسب الإحصائيات المقدمة من طرف مديرة الاتصال ببريد الجزائر، السيدة بطرون.أما مشروع “أسرتك” الذي أطلقته وزارة البريد في عهد الوزير السابق، فإن تقرير منشور على مستوى الموقع الالكتروني تحت عنوان “الجزائر إلكترونية” في الصفحة 21 منه، وصفه بأنه فشل وعجز على جذب اهتمام المواطن ودمجه في صيرورة التفاعل عن بعد، مرجعا عدم بلوغ العملية أهدافها إلى سوء إدارتها والتحكم فيه، مما أنتج حالة من عدم الاهتمام واللامبالاة لدى المواطن.ولم يلق مشروع دفع الضرائب والرسوم عن بعد الذي أقرته وزارة المالية وخصصت له ركنا في الموقع الافتراضي آذان صاغية من طرف المواطن، ولم تواصل الإدارة تعميمه وتوسيعه منذ سنة 2013 كما هو مدوّن على الموقع، بعد أن رغبت مديرية الضرائب أن يكون في شكل بوابة إلكترونية لتسهيل وتبسيط واجب تسديد مستحقات الضرائب، وهو ما أطال في عمر “الطوابير” داخل مؤسسات الضرائب أثناء حلول موعد دفعها من كل شهر.التعامل مع الجهات الأمنية الكترونيا لا يزال أيضا بعيدا عن اهتمامات المواطن، فآلاف الشكاوى تودع على مستوى مكاتب وكلاء الجمهورية ومراكز الدرك، ويتنقل من أجلها المواطن الذي يقيم في اختصاص نطاق الدرك الوطني، ويتحمل متاعب السفر والانتظار على مستوى أروقة الإدارات، ولا يتعامل مع الأمر إلكترونيا عن بعد عبر موقع خصصته إدارة القيادة يتيح التقدم بشكوى والتبليغ عن الجرائم، لكن عدد المواطنين الذي تعاملوا مع هذا الفضاء الالكتروني لم يتجاوز 3 آلاف شخص مستوى 48 ولاية منذ قرابة عام بعد دخوله حيز الخدمة.وبرر رئيس خلية الاتصال على مستوى قيادة الدرك، عبد الحميد كرود، تأخر المواطنين في التعامل الالكتروني، بأن الخدمات الالكترونية تتطلب زمنا حتى يتعوّد عليها المواطن، مشيرا إلى أن الفئة العمرية التي استعملت هذه التقنية من الشباب، موضحا أنه لا يمكن مقارنتها بالوسائل التقليدية التي تستعملها كل الفئات العمرية وحتى من لديهم مستوى تعليمي محدود.وتحاول وزارة الداخلية جاهدة استقطاب المواطنين للتعامل مع مؤسساتها كالبلدية والدوائر والولايات عن بعد، بتوفير فضاءات إلكترونية على مستوى موقعها الرسمي للقيام بطلب وثائق رسمية، وتجاوب معهم ألفي مواطن طلب شهادة الميلاد أس 12، و30 ألف مواطن تقدّم بطلب إنجاز جواز السفر، إلى جانب تلقي 200 ألف شكوى أرسلها المواطنون لإبداء مشاكل تتعلق بانعدام المياه وانقطاع التيار الكهربائي، حسب المكلف بالإعلام نور الدين بلخير. التونسيون والمغاربة أكثر إقبالا على الخدمات عن بعدكانت تونس سباقة في إطلاق خدمات إلكترونية إدارية عن بعد، تشهد إقبالا من طرف المواطن الذي أضحى يستخرج مضامين الولادة (شهادات الميلاد) ويتسلمها بالبيت عن طريق البريد السريع ومضمون الوصول..كما توفر الحكومة على مستوى بوابتها عشرات الخدمات الإدارية الإكترونية، مع إتاحة خاصية الدفع عن بعد، وهو ما يجعل إقبال المواطن على التعامل عن بعد بدل التنقل إلى مقار المؤسسات العمومية،  كإجراءات التجارة الخارجية، متابعة مآل مطلب تأجيل أو إعفاء من الخدمة الوطنية، مما يجعلها منظومة إلكترونية مترابطة تفرض نفسها على المواطن. وفي المغرب، يقبل المواطن على خدمة استخراج شهادة الميلاد وهو في المنزل، مع الأداء بالبطاقة البنكية بكل أمان، واستلامهم عبر البريد المضمون، ولا يستغرق إيداع الطلب سوى بضع دقائق وتصل الوثيقة إلى البيت في ظرف 3 أيام إلى 7 أيام حسب بعد المدينة. ونجحت الإمارات الإلكترونية في تحويل جل الإجراءات الادارية الى الكترونية، ودفع المواطن إلى القيام بكل الإجراءات الإدارية عن بعد، ورفعت من وتيرة التحول الإلكتروني لكافة الخدمات الحكومية في الدولة، تشمل خوادم افتراضية، ورخص برمجيات، بالإضافة إلى الدعم الفني للخدمات المقدمة. أما في فرنسا، فقد أطلقت الحكومة سنة 1997 مخططا لبلوغ “مجتمع المعلومات” وهذا بوضع حيز الخدمة عملية سحب كل الاستمارات الإدارية عن بعد، من خلال فضاءات عمومية رقمية. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات