38serv

+ -

يقول البرلمان، صباح اليوم، كلمته في تعديلات الدستور التي رفعها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى المجلس الدستوري، الذي “أفتى” بجواز تمريرها برلمانيا دونما حاجة إلى الاستفتاء الشعبي. هذا الرأي اختلف بشأنه خبراء القانون والسياسيون، بين من يرى أن مراجعة 70 مادة واستحداث 30 أخرى، في حد ذاته “خلخلة” عميقة للدستور تستوجب عرضه على الشعب، وآخرون يرون أنه لم يمس بجوهر التوازنات بين السلطات، بحيث يكفي، حسبهم، رأي الهيئة التشريعية. وأعلنت غالبية أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان مقاطعة جلسة التصويت، باستثناء حزب العمال الذي فضل صيغة الامتناع. وبحساب عدد أعضاء الغرفتين اللتين يسيطر عليهما الأفالان والأرندي، مع الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، فإن صاحب المشروع ضمن مسبقا نسبة تصويت مريحة.فقهاء لا يرون فرقا بين رأي المواطنين ورأي البرلمانالسلطة تجنبت الاستفتاء خوفا من عزوف شعبي يصدر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة طبعته الثالثة من الدستور المعدل، مكتفيا بأصوات نواب وأعضاء غرفتي البرلمان، بدل الاستفتاء الذي أبدى في وقت سابق حرصا على إجرائه بحثا عن مشروعية سياسية. وكان الرئيس أجرى استفتاءين حول قانوني الوئام المدني وميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لكنه تجنب هذه الصيغة في تعديلي الدستور 2002 و2008. ويرى البعض في ذلك خوفا من عزوف الشعب عن الصندوق.وبرأي فقهاء القانون الدستوري، قيمة أي تعديل للدستور هي نفسها في حالة التمرير عبر البرلمان أو بالاستفتاء، ما دامت التعديلات لا ترقى إلى درجة المساس بالمؤسسات والتوازن بين السلطات والمبادئ العامة للمجتمع وحقوق الإنسان (المادة 176 من الدستور)، وأن غالبية الدول تكتفي بالبرلمان مثلما هو الحال في فرنسا التي عدلت دستورها 25 مرة منها 20 مراجعة بالاعتماد على أصوات ممثلي الشعب الفرنسي في الجمعية الفرنسية ومجلس الشيوخ.ويشار إلى أن الدستور الحالي يعبر عن هذا التوجه في مادته السابعة، التي تنص على أن السلطة التأسيسية ملك للشعب الجزائري، ويمارس الشعب هذه السيادة “عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين”، بالإضافة إلى “المؤسسات الدستورية التي يختارها”، وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية.ويقول الأستاذ أمين شريط، المختص في القانون الدستوري، وهو من الشخصيات الوطنية التي استشارها مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، في إطار مشاورات مراجعة الدستور، فإن “قيمة الدستور المعدل بواسطة البرلمان هي نفسها المكتسبة من استفتاء شعبي”، مرجعا ذلك إلى “مضمون التعديلات” التي بادر بها بوتفليقة، وعددها 112، التي جاءت مطابقة للمادة 176 من الدستور، والمجلس الدستوري اعتمد عليها في تعليل رأيه الذي أكد عدم مساسها بالشروط التي تفرض الذهاب إلى استفتاء عام.ويقصد شريط، الذي شارك في السابق في صياغة دستور 1996، أن التعديلات التي سيصوت عليها البرلمان، اليوم، تكرس الكثير من الحقوق والحريات، ليست “جوهرية”.ويبدو أن الرئيس بوتفليقة، الذي بدأ حكمه في 1999، لم يعد يعاني من عقدة الشرعية المنقوصة الناجمة عن انسحاب منافسيه الستة في الانتخابات الرئاسية، التي جعلته يلجأ إلى الاستفتاء لتمرير قانون الوئام المدني وميثاق المصالحة، في 1999 و2005 على التوالي.ولأن الظروف تغيرت، جراء 17 سنة من حكم الرئيس، فقد تسببت في تحجيم معارضة زادتها عزلة سياسة غلق، تجلت بسد الباب أمام إنشاء أحزاب جديدة، وتكريس الصوت والرأي الواحد في الإعلام الثقيل، واستقواء الإدارة على النخب السياسية والحزبية بـ”تعليمات”، مع منع كل أشكال التعبير السلمي الأخرى كالتجمهر أو التظاهر وحتى عقد التجمعات التي تبادر بها المعارضة. ينفذ بوتفليقة وعده، الذي مر على قطعه 17 سنة، في ظل رفض آت من قطاع واسع في المعارضة، وبخاصة التيار الإسلامي، المتأثر بثورات الربيع العربي، وبعد أن أفرغ سرايا الحكم من الأصوات المقاومة لأطروحاته، وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية، مع بسط يده على كامل المؤسسات الدستورية وجمع بين السلطات من خلال ترسانة الصلاحيات التي صارت في عصمته.وإن اجتهد الرئيس وهو يسعى لإقناع الجزائريين بسداد مبادرته، ولاسيما في مجال الحريات، فضلا عن التطمينات بالسهر على تطبيقه بقوانين وتنظيمات في مستوى تطلعاتهم، فإن قطاعا واسعا منهم ظلوا غير مكترثين بمجريات الأحداث، بسبب الشعور بالإقصاء من النقاش الذي غلب عليه الطابع النظري، والبعيد عما ينتظره من حلول لمشاكله الاقتصادية والاجتماعية في ظل أزمة صعبة لم تحسم السلطات بعد في وسائل تقويضها.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: