"داعش هددنا وشردنا.. والحنين إلى العراق يشدنا في كل لحظة"

+ -

 زارت “الخبر” عائلتي إلياسو وجرجيز اللاجئتين القادمتين من العراق إلى فرنسا في المنزل المكوّن من طابقين تم تخصيصه لهما مؤقتا. وقد عبرت السيدة أحلام إلياسو، إلى جانب ابنها عدي جرجيز، عن ارتياحها بتواجدها في فرنسا رفقة ابنيها المتزوجين وكنتيها وأطفالهم، متحسرة على ابتعادها عن أمها الحبيبة العراق تحت وطأة تهديد “داعش”.سويعات مع عائلة أحلام إلياسو.. أحلام وكوابيسبدأت أحلام في سرد حكايتها بتنهيدة طويلة حول صينية أكلتها المفضلة في العراق “كبة محشية” التي كانت بصدد تحضيرها تزامنا مع زيارة “الخبر”، إذ كانت تغتنم فرصة فتح كل حبة لتفتح قلبها وتفضفض عما بداخله من أوجاع، وعن الآلام التي ألمت بها منذ فقدان فلذة كبدها وهي عروس، تاركة طفلة لم تتجاوز بضعة أشهر راحت ضحية انفجار تبناه تنظيم “القاعدة” قبل 6 سنوات بالعراق.ومنذ ذلك الحين، تعتبر أحلام نفسها ضحية الإرهاب الأعمى الذي مزّق كبدها، متسببا في جراح عميقة لم يستطع الزمن تضميدها، إلى أن عادت خلال شهر جوان 2015 تهديدات “داعش” من جديد لتحرك المواجع، وسط رعب دائم وخوف قائم من اغتيال أولادها وتقتيل أطفالهم، ولم تلق أحلام خيارا أمامها سوى الاتفاق مع ابنيها الاثنين من أجل التخطيط للفرار معا دون إثارة الشكوك أو لفت الانتباه، ومغادرة المنزل العائلي وتركه على حاله بكل ما يحتويه، والخروج في المساء بدون رجعة، بحجة الذهاب لرؤية مريض من العائلة، وهي الذريعة التي أنجت أحلام وابنيها وأزواجهما وأطفالهما، ولا يتعدى سن أصغرهم 8 أشهر، من قبضة “داعش”.وعن يوميات أحلام في فرنسا، فقد قالت بأنها تعاني الأمرين أمام عائق اللغة، وهي تتحدث بالإشارات فقط مع الكفيل المهتم بأمورهم والجمعية التي تزورهم من أجل تقديم المساعدات واقتناء الحاجيات كل يوم خميس، مضيفة بأنها تجد ضالتها عندما تتوجه إلى الأسواق الأسبوعية المختلطة، حيث تلتقي أشخاصا من الجزائر والمغرب وتونس يتكلمون لغتها، وهو اليوم الوحيد من أيام الأسبوع الذي تنتظره أحلام بفارغ الصبر للترويح عن نفسها واستحضار حنين العراق بنكهة مغاربية في ديار الغربة.في ضيافة عائلة عدي جرجيز..تحدث اللاجئ العراقي رب عائلة جرجيز عدي إلى “الخبر” بنبرة متقطعة ووجه حزين، بملامح مغلقة أبرز من خلالها بداية أوجاع عائلته ومعاناتها التي زادت مباشرة بعد سقوط النظام العراقي سنة 2003، حيث أصبحت كل الأقليات من الديانات المسيحية واليزيدية عرضة للتهديد والاعتداءات والقتل والذبح والتعذيب، خطف النساء واغتصابهن، وطلب الفدية، وكانت آخر التهديدات التي تعرض لها شخصيا تلك التي تسببت في هروب العائلات الثلاث من العراق في 2014، “عندما تقدم أعوان تنظيم الدولة الإسلامية إلى بيتي وكتبوا على باب المدخل الرئيسي حرف النون، إشارة إلى كلمة نصارى، بالإضافة إلى تدوين عبارة تابع للدولة الإسلامية”، فضلا عن التهديد الذي تلقاه عدي جرجيز شفهيا، وطالبه بإخلاء المنزل في ظرف 24 ساعة، وإلا سيتم خطف البنات (الزوجات) ثم تقتيل الرجال.وأردف عدي جرجيز بأنه أمام طائلة التهديدات، لم يجد خيارا أمامه سوى تنفيذ خطة والدته ومغادرة المنزل في المساء بعد المغرب، بالتحجج برؤية مريض قريب من العائلة، إذ منعهم أعوان “داعش” في الوهلة الأولى من أخذ السيارة، كما قاموا بتفتيش حقائب اليد، ثم سمحوا لهم بالمغادرة شريطة أن يعودوا باكرا من أجل ترحيل أغراضهم الشخصية والمنزلية، ومن ثمة سلكوا طريق الشام بعد مغادرة الموصل، وكان ذلك بتاريخ 18 جوان 2015.وذكر اللاجئ عدي أنه اتصل بالقنصلية الفرنسية مباشرة إثر ذلك، بغية التقدم بطلب حق اللجوء على أراضيها، وهي الصفة التي منحتهم إياها السلطات الفرنسية بعد مرور شهر من إيداع الطلب، وهي الوثائق التي سمحت لهم بمغادرة الشام نحو تركيا، ومن هذه الأخيرة مباشرة نحو باريس، أين كان في استقبالهم سيارات تكفي لنقل أفراد العائلات الثلاث المكونة من 22 شخصا جلبتهم إلى الشقق المتواجدين بها حاليا، بعد إقامة قداس الكنيسة احتفالية على شرف التحاقهم بفرنسا.وعن مسألة الأكل والشرب وحاجيات الأطفال، قال عدي بأن الكفيل والجمعيات المهتمة بمساعدة الأقلية المسيحية يأتون كل يوم خميس من أجل استلام ورقة تحتوي على كافة المتطلبات طيلة أسبوع كامل، بداية من الحليب إلى غاية حفاظات الأطفال، كما أبرز بأن مشكل اللغة يعيق تواجدهم بفرنسا، لذا تحرص الجمعية على تعليمهم اللغة الفرنسية بطريقة جد بسيطة حتى يتم إشراك الجميع بكل سهولة، إذ تم تعليق لوائح الحروف وأيام الأسبوع والأرقام وكذا أشهر العام والعبارات المستعملة في الحديث اليومي باللغة الفرنسية على جدران قاعة استقبال الضيوف، حيث يتم تخصيص ساعة يوميا لتعليمهم اللغة الفرنسية، وتسريع إدماجهم داخل المجتمع الفرنسي.واستغرب محدثنا من استعانة الكبار بالطفلين المتمدرسين ريتا وعلاء، 6 و7 من العمر،  اللذين يحفظان عن ظهر قلب الحروف والأيام من أجل مساعدتهم في الحديث بالفرنسية.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: