+ -

تتجدد معاناة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع إحياء اليوم الوطني المصادق لـ14 مارس من كل سنة، حيث لا تزال هذه الفئة محرومة من التعليم ومن منحة محترمة تغطي مصاريف علاجها اليومي،  ورغم ذلك تواجه حياتها الصعبة بتحدي الإعاقة، لتضمن مكانا لها وسط المجتمع، على غرار محمد، فاطمة الزهراء،حنان ومنى، الذين التقت بهم “الخبر” بالمركز البيداغوجي النفسي بمروانة شمال باتنة.بدأت معالم مرض التوحّد تزول على الطفل محمد صاحب الست سنوات بشكل تدريجي وتحسّن مستمر، حيث أن تصرفه العفوي كان في حمل القلم ليخط بعض الكتابات التي قد لا نفهمها، والتي قد تعني في الوقت ذاته الكثير من الرسائل التي يرغب في توجيهها إلى المجتمع، فضلا عن رغبته في اللحاق بنا عند الخروج تثبت وبما لا يدع مجالا للشك، أن غياب التواصل والتفاعل الاجتماعي المعروف عنه قبل سنتين قد زال الآن بعد التحاقه بالمركز النفسي الاجتماعي بمروانة غرب ولاية باتنة، نتيجة التدخل المبكر لحالته مثلما يكشف ذلك أحد الأطباء بذات المركز، الذي عدّد مجموعة من الأعراض الطبية التي كان يعانيها محمد قبل التحاقه بالمركز، أبرزها غياب التواصل وعدم ربطه بين الدال والمدلول، وكذا فرط النشاط والحركة والبكاء الزائد والتبول والتبرز اللاإرادي، زالت معظمها بعد أن أصبح مستقلا في الأكل ومختلف المهارات اليومية، في حين تبقى بعض الأعراض مرتبطة بعامل الوقت، والتي تحتاج لفترة زمنية أطول بين المعالجة الطبية والمتابعة الصحية لجني الثمار بالشكل المطلوب، كالتواصل البصري الذي أصبح مقبولا بشكل نسبي. وفي هذا السياق، يصّر ذات الطبيب على ضرورة التدخّل المبكّر وأهميتها الكبيرة في علاج مختلف الحالات المشابهة لحالة محمد مستقبلا لاحتوائها وعدم عزلها اجتماعيا.فاطمة الزهراء تتحدى تخلّفها الذهني التحدي الذي رسمه محمد مع التوحد، رسمته فاطمة الزهراء أيضا، لكن مع مرض لا يقل خطورة عن التوحد، كحالة من حالات الإصابة بمتلازمة داون T21 والتي لم تعرف الفرقة الطبية هي الأخرى طريقا لليأس في تشخيص حالتها للتغلب على الأعراض التي امتزجت بين غياب اللغة التعبيرية والعناد والتبول اللاإرادي، نقص التركيز والانتباه والتواصل الاجتماعي المنعدم من جهة، ومن جهة ثانية قصور في القدرات العقلية والمعرفية واضطرابات سلوكية متمثلة في العدوانية الموجّهة نحو الآخر، كالضرب والبصاق في وجه كل من يحاول التقرب منها أو تقبيلها، غير أن التكفل النفسي والتربوي للحالة لمدة 8 أشهر، ساهم في تخليص صاحبة الست سنوات من مجموعة كبيرة من هذه الأعراض بعد زوال الاضطرابات السلوكية والتواصل الاجتماعي نتيجة تعزيز السلوك، فضلا عن التطور الملحوظ جدا على مستوى الاكتساب المعرفي توازيا والبرنامج المقترح، إضافة إلى تواصلها لغويا وشفهيا بعد أن أصبحت تتكلم وتنطق كلمات وحتى جمل. وتبرز حالة فاطمة الزهراء، أن الشخص المصاب بمتلازمة داون T21 بإمكانه تحدي أعراض مرضه والعيش في محيط اجتماعي بشكل عادي شريطة تقبّل هذه الشريحة مجتمعيا وتوفير الجو المناسب، سيما وأن هذه الفئة تتميز بسلوكيات إيجابية جدا لا تتوفر حتى في الأشخاص العاديين.التوجيه الأسري يخفف من معاناة حنانأكد الطاقم الطبي الذي تابع حالة حنان، 15 سنة، المصابة بمتلازمة داون T21 هي الأخرى، أن التوجيه الأُسري حول كيفية التأهيل النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة، شكّل كلمة السر ومفتاح النجاح في تحسن حالة حنان على مستوى مجموعة الأعراض البيولوجية والسيكوسوسيولوجية، كالاضطرابات السلوكية، العناد، عدم الانصياع للأوامر، البكاء ورفض الالتحاق بالمركز في أول الأمر، فضلا عن رفض التعامل مع الفرقة الطبية، لتسجل الفرقة الطبية تغيّر حالتها، مسجّلة نقلة إيجابية، أبرزها تحسين بعض السلوكيات غير المرغوب فيها، كالعناد والبكاء وتعديل سلوكها، كالتواصل الاجتماعي بدرجة لا بأس بها. ورغم أن المرض أبعد حنان لفترة من الزمن عن المركز، إلا أن نتائج حالة حنان تؤكد مدى الدور الكبير والمهم في الوقت ذاته للدور الأسري والمحيط العائلي في احتواء مثل هذه الأمراض ولو بشكل جزئي، في ظل غياب الحلول والأدوية النهائية لهذه الحالات على الأقل في الوقت الحالي، في وقت ترفض الكثير من العائلات التعامل مع مثل هذه الحالات، وتقوم بعزلها بشكل نهائي عن المجتمع حتى ولو كانت العلاقة بين المريض والطرف الأسري علاقة أمومة وأُبُوّة.مُنى مثال حي للتعايش الايجابي مع متلازمة داونفي الوقت الذي يخجل الكثير من الأطفال التصريح بأمراضهم، أو حتى تقبُّل هذه الأمراض، ضربت مُنى، 15 سنة، أروع الأمثلة للتعامل والتعايش الإيجابي مع مرضها، ولا شك أن التحسن الذي تظهره التقارير الطبية عن حالتها لأحسن مثال على ذلك، فالسمنة التي تعاني منها نتيجة الخلل على مستوى الصبغي رقم 21 والمعروف في الأوساط الطبية بمتلازمة داون،  وكل الأعراض المرتبطة به من الانطواء وضعف النطق اللفظي نتيجة غياب اللغة الشفهية والتعبيرية، فضلا عن الخمول والركود، كلها أعراض نقصت درجة حدتها، ومنها ما زال بشكل نهائي بعد أن أصبحت منى تبني علاقات اجتماعية مع الزميلات وحتى المربيّات، بل وتجاوزت النشاط والحيوية والتواصل الاجتماعي لدرجة المشاركة في النشاطات الخاصة لأطفال المركز بعد أن كسبت الثقة بنفسها.ويرى المختصون بهذا الشأن، أن هذه الحالات ما هي إلا عيّنات صغيرة من أعداد هائلة بالمجتمع الجزائري التي من الممكن أن يتخلصوا بشكل نهائي من تبعات مختلف الأمراض، في حال توفّر المتابعة الصحية والطبية، وكذا التوجيه الأسري بالتعاون مع المحيط المجتمعي وعناصر المجتمع المدني، وعدم الاهتمام بهذه الفئة خلال يومهم الوطني ونسيانهم بشكل تام خلال باقي أيام السنة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: