+ -

يرتبط الإسلام في فرنسا بالحملات التي قام بها المسلمون بعد فتح الأندلس، ورغم توقف حملة عبد الرحمن الغافقي في بواتييه وهزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء الشهيرة في رمضان سنة 114 هـ على يد شارل مارتل، إلا أن التواصل ظل قائما سواء عبر العلوم أو التجارة، فضلا عن احتكاك الفرنسيين بالمشرق عبر الحروب الصليبية. لكن أصل تواجد المسلمين في فرنسا حاليا يعود لأسباب تاريخية وسياسات استعمارية واقتصادية متعدّدة قامت بها فرنسا نفسها، حيث بدأت فرنسا في بداية القرن العشرين استقطاب اليد العاملة من المستعمرة الجزائرية بغية استدراك تأخرها الصناعي مقارنة بإنجلترا، وثورتها الصناعية في القرن التاسع عشر.واستطاعت هذه السياسة أن تستجلب حوالي 30 ألف جزائري، ولم يكونوا عرضة لعنصرية بداية لقلّة عددهم وقلّة اختلاطهم بالمجتمع الفرنسي الذي كان يسمّيهم الأتراك أو باعة الزّرابي. رغم ذلك فشلت فرنسا في سياسة جلب اليد العاملة الجزائرية لعدم استعداد المسلمين نفسيا وثقافيا آنذاك لترك بلدهم والهجرة إلى وسط غريب الدين والأخلاق والعادات. وفي ذروة الحرب العالمية الأولى، جنّدت فرنسا تجنيدا إجباريا عددا كبيرا من المسلمين، من مستعمراتها الجزائر والمغرب، ولإعادة بناء ما دمّرته الحرب قرّرت سنة 1920 جلب المزيد من العمّال فوصل عدد المهاجرين المسلمين إلى 70 ألف جزائري، وعدد مماثل من المغاربة. وما بين عامي 1940 و1945 أرسلت الحكومة الفرنسية إلى كل من والي الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، “تأمرهم” بإرسال 10 آلاف عامل في كل شهر. وتواصل توافد المهاجرين خلال الستينيات والسبعينيات، حيث أصبح الإسلام الدين الثاني في فرنسا، ويُرتّب الإسلام حسب الأهمية مباشرة بعد الكاثوليكية، وقبل البروتستنتية واليهودية بكثير، وينتشر المسلمون في مدن فرنسا وفي ريفها على السواء.وأصل أغلب المسلمين من أبناء أو أحفاد الطبقة العاملة الوافدة من المغرب العربي ومن الجزائر بالأخص، بنسبة 35 بالمائة، ثم المغرب 25 بالمائة، فتونس 10 بالمائة. ويوجد أيضا مسلمون ينحدرون من إفريقيا، لاسيما من البلاد التي كانت قد استعمرتها فرنسا مثل مالي والسنغال والنيجر، كما يوجد كذلك مسلمون من بلاد المشرق العربي مثل سوريا ومصر والعراق وفلسطين، إضافة إلى أعداد كثيرة من المسلمين الأتراك بـ360 ألف نسمة. ومن الناحية النظرية، لا يسمح القانون الفرنسي بتعداد الناس وفق انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو مذاهبهم الفلسفية أو اتجاهاتهم السياسية، ولهذا لا تملك أي جهة من الجهات إحصاء دقيقا أو يعتدّ به رسميا، إلا أن التقديرات الإحصائية تشير إلى أن تعداد المسلمين ما بين 6.5 و7 ملايين، ما يجعل فرنسا أكبر حاضنة للجاليات المسلمة في أوروبا، وتمثل الجالية المسلمة وعاء انتخابيا معتبرا، خاصة مع بروز أجيال فرنسية مسلمة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات