+ -

ممّا اختصّ الله به هذه الأمّة من دون سائر الأمم عيد الأضحى المبارك، فها هو يحلّ ضيفًا عليها في أصقاع الأرض، شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، في القرى والمدن، في الصحراء وعلى ضفاف الأنهار وسواحل المحيطات والبحار، حيث يُظهر فيه المسلم توحيده لله وذكره وشكره على نعمه الّتي لا تعدُّ ولا تحصى، وهو يوم فرح وسرور وتواصل وتعاون وتكافل بين أفراد هذه الأمّة الواحدة في عقيدتها ومبادئها وأخلاقها.فالعيد في حياة الأمّة يعدّ مظهرًا من مظاهر التّجديد في حياتها، تجديد للإيمان في نفوس أبنائها، في مستدرك الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، يقول صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ الإيمان لَيَخْلَقُ في جوف أحدكم كما يخلق الثّوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدِّدَ الإيمانَ في قلوبكم”، فحجاج بيت الله ما قصدوا البيت الحرام إلاّ توحيدًا لله، واستجابة لنداء الخليل إبراهيم عليه السّلام عندما أمره ربّه بأن يؤذِّنَ في النّاس بالحجّ: “وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”، وصيام يوم عرفة ووقوف الحجاج فيه، مظهر من مظاهر تجديد الإيمان والوفاء بالعهد والميثاق الّذي أخذه الله على كلّ إنسان بأن يعبده ولا يشرك به شيئًا: “إنّ الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمانَـ يعني عرفة، وأخرج من صلبه كلّ ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذرّ، ثمّ كلّمهم قِبَلاً، قال: “أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ *  أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ”.فالعيد يأتي ليؤكِّدَ هذه الحقيقةَ، ويشهد على هذا التّجديد في نفس المسلم وسلوكه، والمسلم عندما يقدم بين يدي الله أضحيّة العيد لا يريد بها غير وجه الله شعارُهُ: “قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”، فليحافظ كلّ مسلم على إيمانه، وليتعاهده بالأعمال الصّالحة ومراقبة الله حتّى يلقاه على فطرة الإسلام، فتزكى نفسه وتطيب حياته ويسعد في آخرته.ويظهر التّجديد في سلوك المسلم، من خلال معاملة من هم حوله، ففي العيد يظهر برّ الوالدين وصلة الأرحام وزيارة الأقارب والجيران والمرضى، ويظهر التّكافل والبذل والعطاء والصّدقة والإنفاق والتّسامح والتّغافر بين المسلمين والتّصافح والسّلام: “إذا تصافح المسلمان لم تفرّق أكفّهما حتّى يغفر لهما”، “ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلاّ غفر لهما قبل أن يتفرّقَا”، فكلّ هذه الأعمال وغيرها في العيد تدفع المسلم إلى معالجة أخطائه والإحسان في معاملة من حوله، فيظهر المجتمع المسلم مجتمعًا متعاونًا ومتآلفًا ومترابطًا، يسود بين أبنائه الحبّ والتّراحم.إمام مسجد عمر بن الخطاببن غازي، براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات