+ -

 إن العيش في حدود اليوم لا يعني تجاهل المستقبل، أوترك الإعداد له، فإن اهتمام المرء بغده وتفكيره فيه حصافة وعقل. وهناك فارق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، بين الاستعداد له والاستغراق فيه، بين التيقظ في استغلال اليوم الحاضر وبين التوجس المربك المحير مما قد يفد به الغد. إن الدين في حظره للإسراف وحبه للاقتصاد إنما يؤمن الإنسان على مستقبله بالأخذ من صحته لمرضه، ومن شبابه لهرمه، ومن سِلمه لحربه. كان سفيان الثوري من كبار التابعين، وكانت له ثروة حسنة، وكان يشير إليها ويقول لولده: لولا هذه لتمندل بنا هؤلاء – يقصد بني أمية. يعني أن غناه حماه من حكام زمنه، فلم يحتجْ إلى مداهنتهم أو تملقهم. والواقع أن ذلك مسلك يُعين على بلوغه إحسان العيش في حدود اليوم، فإن الحاضر المكين أساس جيد لمستقبل ناجح، ومن ثَم يجب نبذ القلق. قال الشاعر:سهرتْ أعينٌ ونامت عيونٌ                                     في شؤون تكون أو لا تكونإن ربا كفاك بالأمس ما كان                                 سيكفيك في غد ما يكونأتدري كيف يُسْرَق عمر المرء منه؟ يذهل عن يومه في ارتقاب غده، ولايزال كذلك حتى ينقضي أجله، ويده صفر من أي خير.كتب ستيفن ليكوك يقول: (ما أعجب الحياة!!، يقول الطفل: عندما أشب فأصبح غلامًا، ويقول الغلام: عندما أترعرع فأصبح شابًا، ويقول الشاب: عندما أتزوج، فإذا تزوج قال: عندما أصبح رجلاً متفرغًا. فإذا جاءته الشيخوخة تطلع إلى المرحلة التي قطعها من عمره، فإذا هي تلوح وكأن ريحًا باردة اكتسحتها اكتساحًا.. إننا نتعلم بعد فوات الأوان أن قيمة الحياة في أن نحياها، نحيا كل يوم منها وكل ساعة). في هؤلاء الذين ضيعوا أعمارهم سُدًى، وتركوا الأيام تفلت من أيديهم لُقًى، يقول الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} الروم:55، ويقول: {كَأَنهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيةً أَوْ ضُحَاهَا} النازعات:46.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات