"الصّائم يجاهد نفسه على التهجّد والطّاعة وقراءة القرآن ونفع النّاس"

+ -

قال فضيلة الشّيخ الدكتور زيد الخير مبروك، رئيس المركز الوطني للدّراسات والحضارة الإسلامية، في حوار لـ ”الخبر”، إنّ ”الصّائم سيكون مستفيدًا من صومه، إذا قام بواجبه، وأدّى دوره في الحياة، وذاق معنى الصّوم، ولم يبالغ في الأكل والشّرب اللّذين يذهبان بمعنى الصّوم وغايته، فيأكل عند الإفطار والسّحور، ما يكفي لسدّ جوعته، وإشباع رغبته الشّرعية بالقسطاس”، مشيرًا إلى أنّ ”المبالغة في النّوم، ضياع للأوقات وتفويت للصّلوات وغياب عن الإحساس بجوّ الصّوم”. كيف يعيش المسلم هذه الأيّام ويستغلها في طاعة الله تعالى؟ لاشكّ أنّ رمضان هو ظرف للقُرب من الله، وعبادته على أحسن وأكرم ما تكون العبادة، والصّوم هو العبادة المخلصة لله لأنّه سرّ الله للبشر، وليس له أثر يمكن أن يتفاخر به الصّائم، أو يقدّمه لغير الله، فهو عبادة خاصة بالمولى، ولذلك قال تعالى في الحديث القدسي: ”كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّوم فإنّه لي، وأنا أُجْزِي به”. ولاشكّ أنّ الزّمن معدود، وأنّ شهر رمضان محدود، فلا يحسن بالمسلم أن يتركه يذهب هباء، دون استغلال اللّحظات والسّاعات والأيّام في طاعة الله، على اعتبار أنّ المأمور فيه ليس فقط الإمساك عن الطّعام والشّراب، ولكن يحسن بالمسلم الصّائم أن يجاهد نفسه على التهجّد والطّاعة وقراءة القرآن، وبذل جهده في نفع النّاس، وتحقيق عمران الكون.وحقيق بالمؤمن أن يفهم أسرار العبادة، ويتذوّق معاني القُرب من الله، ويعمل على تمتين أواصر العلاقة بينه وبين خالقه، وعليه بذلك أن يعيش أجواء رمضان في أمان نفسي واجتماعي، يتمتّع فيه بلذّة العبادة ونعيم الرِّضا وحُسن التّعامل، ويعمل فيه على مسك لجام نفسه الأمّارة بالسّوء، فيجاهد نزواته وسقطاته، ولا يترك لها سبيلاً للغرور أو الظّهور، ليقيه الله من فتنة المحيا والممات.وهل يمكنك توصيف حال النّفس المؤمنة خلال استقبال رمضان وحال وداعه؟ توصف النّفس المؤمنة بأنّها خلال استقبال رمضان تكون فرحة تائبة تواقة إلى الصّوم بالتّوبة والأوبة والانكسار، عالمة بما فعلت خلال الأشهر الأحد عشر الّتي سبقته، فإذا جاء شهر الصّيام والإيمان والتّقوى، انتبهت إلى علاقتها بالله، وأنّه أصل الوجود، والسّبب في إيجاد كلّ موجود، وأنّها بالصّيام سوف تتطهّر من الآثام، وترجع إلى الله الّذي يمحو الخطايا، ويعفو عن السيّئات، خاصة وأنّها سوف تكتسب من صفات الملائكة ما يرفعها إلى الأعلى، ويلبسها شفافية ونورًا، ويكون هناك فرحتان فرحة عاجلة بالالتزام والانسلاك في مسلك الصّالحين، والقيام بالواجب الشّرعي عند كلّ آذان، في كلّ يوم صيام، وفرحة عند لقاء الله، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”للصّائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربّه”. وقد ورد في الحديث أيضًا: ”رمضان أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النّار”، وطبيعي أنّ الّذي يصوم، ويؤدّي بأمور الله، يسجد السّكينة في نفسه، والطّمأنينة في قلبه، وسيترقى في كلّ يوم في مدارج السّالكين لله ربّ العالمين، وهو يعوّد نفسه على الصّبر والثّبات والطّاعة، فتكون النّفس قد تعلّمت التّقوى والقناعة، وسوف تكون النّفس المارقة عن الأمر الّتي لم تؤدّ الصّيام ولم تلتزم به، منكسرة قلقة ممزّقة، لأنّ حسرتها ستكون كبيرة بما اقترفته من إثم، وما حصل لها من تمرّد على منهج الله، الّذي جعل الصّوم جُنّة، لكلّ نفس تلتزم به، فلا ترفث ولا تصخب، وإن سابها أحدٌ أو شاتمها، فقد علّمنا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن يقول صاحبها: ”إنّي صائم”.ما نصيحتكم لمَن أحال رمضان من شهر عبادة إلى شهر أكل وشرب باللّيل، ونوم وكسل بالنّهار؟ لاشكّ أنّ الصّوم عبادة عظيمة، ومدرسة للتّكوين الرّوحي والنّفسي، والتزام بأوامر الله في الظّاهر والباطن، ذلك أنّ الصّوم إنّما جعل لتتعوّد النّفوس الّتي امتنعت طيلة العام عن الحرام والشّبهات، على أن تمتنع عن الحلال المباح، من فجر كلّ يوم إلى غروبه، وهي مسلكية للتّرقية من مقام إلى مقام. وقد كانت الآيات واضحة في سورة البقرة حين خاطبت المؤمنين بالصّيام وختمت الأمر به بالتّقوى، لأنّها الغاية الكبرى الّتي تتفاعل مع الإيمان، فتدفع الصّائم لأن يمسك عن كلّ شهوة ومتعة، فينال المقام والغفران والعتق من النّار، قال الله في حديثه القدسي مخاطبًا ملائكته وهو يصف عبده الصّائم: ”ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، أشهدكم يا ملائكتي أنّي قد غَفرتُ له”.والواقع أنّ الصّائم سيكون مستفيدًا من صومه، إذا قام بواجبه، وأدّى دوره في الحياة، وذاق معنى الصّوم، ولم يبالغ في الأكل والشّرب اللّذين يذهبان بمعنى الصّوم وغايته، فيأكل عند الإفطار والسّحور، ما يكفي لسدّ جوعته، وإشباع رغبته الشّرعية بالقسطاس، فلا يبالغ حتّى يتأذّى من كثرة الأكل، أو يسرف في الإنفاق، بحيث يجهد ميزانيته، ويضطر إلى الدّيون الّتي هي همّ باللّيل وذُلّ بالنّهار. أمّا المبالغة في النّوم، فهي ضياع للأوقات، وتفويت للصّلوات، وغياب عن الإحساس بجو الصّوم، ولسعة الجوع، واستثمار الزّمن، الّذي هو الحياة.. والمؤمن وسطي يجب أن يأخذ نصيبه المعقول من النّوم والشّرب والمأكول، فلا يبالغ ولا يسرف حتّى يحقّق المقصد، وينال الأجر، ويذوق لذّة الصّوم المرضي المقبول. 

 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات