+ -

 إنّ الحقّ سبحانه لا يقسم إلّا بعظيم ولتقرير عظيم، بل إنّ قسم الله تعالى في ذاته أمر عظيم عظمة لا متناهية، حتّى أنّ أعرابيّا سمع قول الله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}، فقال: مَن ذا الّذي أغضب الجليل حتّى أقسم؟ وصدق فمن نحن حتّى يقسم لنا الجليل سبحانه!وقد أقسم الله عزّ شأنه في مفتتح سورة الشّمس، وتكرّر القسم 11 مرة، بمخلوقات جليلة القدر، عظيمة النّفع، آثارها في حياة النّاس وجميع الكائنات واضحة، ودلالتها على جلال الوحدانية وعظيم القدرة بيّنة، لتجيء القضية الكبيرة الخطيرة: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}، والتّزكية عبارة عن التّطهير أو عن الإنماء، والتّدسية أصلها: دسسها من التّدسيس، وهو إخفاء الشّيء في الشّيء.وفي معنى الآية قولان أحدهما: أنّه قد أدرك مطلوبه من زكّى نفسه بأن طهّرها من الذّنوب بفعل الطّاعة ومجانبة المعصية. والثاني: قد أفلح مَن زكّاها الله، أيّ أنّ الله حكم بتزكيتها وسمّاها بذلك. وقد تكون جملة {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} جوابا للقسم الّذي سبقها، وقد يكون جواب القسم محذوفا يفهم من السّياق، ويكون تقدير الكلام: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرُ إِذَا تَلاَهَا}.. ليقعن البعث والحساب والجزاء، أو لتحاسبن على أعمالكم. أو يكون الجواب ما جاء بعد ذلك: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا..}. ولعلماء التّفسير كلام طويل حول هذه الاحتمالات.قال الإمام الواحديُّ رحمه الله: ”فكأنّه سبحانه أقسم بأشرف مخلوقاته على فلاح من طهّره، وخسار من خذله، حتّى لا يظنّ أحدٌ أنّه هو الّذي يتولّى تطهير نفسه أو إهلاكها بالمعصية من [غير توفيق ربّانيّ]”.وبعد تقرير هذه الحقيقة العظيمة الحاسمة في حياة النّاس، يزيد القرآن المعنى تأكيدًا بالمثال، فيذكر نموذجًا من نماذج الخيبة الّتي ينتهي إليها من يدّسي نفسه، فيدنّسها. ويوردها مورد الهلاك: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا. فلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات