ماكرون ومعضلة تفويض السلطة في الجزائر؟!

+ -

لاشك في أن زيارة ماكرون للجزائر كانت أساسا بخلفية اقتصادية لصالح الشريك الفرنسي الذي يتصارع مع المشاكل الاقتصادية في أوروبا المنفتحة على العملاق الاقتصادي الألماني وغيره. لكن الزيارة أيضا تحمل همّا سياسيا فرنسيا نحو المعضلة السياسية في الجزائر، باعتبار فرنسا ما تزال الوصي الدولي على الجزائر من الناحية السياسية على المستوى العالمي:1 - فرنسا سلمت الاستقلال للجزائر سنة 1962 تحت ضغط القوة العسكرية التي فرضتها الثورة... وسلمت فرنسا السلطة إلى القوى الثورية الرئيسية وهي الجيش! ولهذا سمّت السلطة الجزائرية نفسها في 1962 بالسلطة الثورية، ورحل الاستعمار عن الجزائر في جانبه السياسي والعسكري، وحلت محله شرعية جديدة هي شرعية العسكر الذي سلمت له فرنسا السلطة، ومنذ 1962 والجيش الجزائري الذي استلم السلطة من فرنسا يحمل شرعية تفويض السلطة لمن يراه مناسبا لقيادته أولا، ولقيادة البلاد ثانيا.. حدث هذا سنة 1962 مع بن بلة، وحدث هذا في 1965 مع بومدين، وحدث هذا سنة 1979 مع الشاذلي، وحدث هذا مع بوضياف سنة 1992، وحدث هذا أيضا مع بوتفليقة وزروال قبله. وحتى الآن لا يوجد ما يؤكد أن هذه القاعدة في تفويض السلطة من الجيش قد تغيرت... وتغيرها بالتأكيد لابد أن يكون بمباركة فرنسا أو على الأقل بموافقتها أو إعلامها بالأمر.2 - نعم الجزائر الآن مقبلة على مرحلة جديدة وهي رئاسيات 2019، وهي رئاسيات مفصلية من حيث إمكانية انتقال مسألة تفويض السلطة من الجيش إلى غيره. الرئيس بوتفليقة لا يريد أن يعين الجيش هذه المرة الرئيس كما جرت العادة، والجيش هو الآخر لا يريد أن يعين قائده الأعلى خارج إرادة قيادته... وهذه المعضلة هي القضية الأساسية التي يحملها ماكرون في ملفه نحو الجزائر إلى جانب الملف الاقتصادي.. وقد يقايض ماكرون تغيير موقف فرنسا من مسألة تفويض الشرعية مقابل ثمن باهظ تدفعه الجزائر بالطبع.3 - يشاع الآن بأن الوضع السياسي المهتري في الجزائر، وموقف الشعب من الطبقة السياسية الذي عبر عنه في الانتخابات الأخيرة، لا يسمح بتغيير قاعدة تفويض السلطة التي تم إرساؤها سنة 1962، وأن استقرار وأمن البلد يتطلب أن يختار الجيش قائده الأعلى الذي هو الرئيس القادم، ولا توجد قوة أحزاب منظمة ويمكن أن تحقق الرضا المطلوب عن تفويض السلطة إلا الجيش.. وأن البلاد ما تزال بعيدة عن عملية سياسية انتخابية مأمونة العواقب لإنتاج رئيس بمواصفات مطلوبة لقيادة الجيش أولا وقيادة البلاد ثانيا. وأن حكاية الإجماع الوطني حول مرشح يرضى عنه الجيش، هي الصيغة المناسبة لتجاوز أزمة انتقال السلطة في الجزائر الآن.. وأن ماكرون يمكن أن يفصل بين الفرقاء في الجزائر في هذه المسألة.. لهذا فإن مسألة الرئاسيات ستعرف تسارعا بعد زيارة ماكرون، ولهذا أيضا كانت زيارته قصيرة.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات