الهوية والسلطة..من المقبرة إلى المتحف؟!

+ -

الأستاذ بوعقبة، كنت أقرأ لك لأنني ظننت أنك ربما من الأقلام العروبية غير المتعصبة في مسألة الهوية، ولكنني اكتشفت، وبخيبة أمل كبيرة، من خلال كتاباتك الأخيرة في هذه المسألة والتي تكشف الغطاء عن حقد وكره مبطنين للمكوّن الأمازيغي وما يتصل به في هذا البلد، إذا كان من يصطلح عليهم بالنخبة بهكذا قصر نظر وإيديولوجية عمياء وفكر أحادي هدفه صهر الآخر وإلغاؤه، فهؤلاء لا يختلفون (في نظري) عن النظام الذي يزعمون انتقاده.. إنك وللأسف ركبت بكتاباتك هذه ركب الذين اصطلح عليهم بأصحاب الماك العروبي، والذي هو أسوأ (في نظري) من الماك الآخر.. لأن هذا الأخير (على الأقل) لا يريد إلغاء الآخر.. أشير لك فقط إلى أن قسما كبيرا من هذا الشعب عاش الثلاثية اللغوية منذ الأزل، ولم يمنعهم ذلك من النجاح بقدر ما أثراهم، فكفاكم تغليطا واستخفافا بعقول الناس.كريم: قارئ خاب أمله

* وأنا بدوري أسألك متى كانت هذه البلاد تعيش الازدواجية اللغوية أو حتى الثلاثية اللغوية كما تدعي.. في عهد الفينيقيين الذين فرضوا لغتهم على الحياة الرسمية في السياسة والتجارة والصناعة والإدارة وتركوا للسكان الأصليين حرية التعامل بلغتهم في الجبال كمنتجين وباعة للزيت والعسل والجلود.. طوال 600 سنة تقريبا. أما الرومان الذين حكموا هذه البلاد حوالي 800 سنة كاملة، هل حكموها إدارة وسياسة وحكما وصناعة وتجارة بلغة أهل البلد الأصلية، أم حكموها بلغة الرومان وتركوا للسكان التعامل بينهم بلغتهم المحلية؟ وعندما جاء المسلمون إلى هذه البلاد وحرروها من الرومان وليس من الأهالي، هل سيّروا حكمهم لهذه البلاد باللغة المحلية، أم باللغة التي جلبوها معهم؟ فلا تضلل الناس، حتى في عهد فرنسا، بلادنا لم تعش الازدواجية اللغوية، كانت الإدارة تسيّر بلغة المحتل، وكان الشعب يستخدم لغته البربرية أو العربية في التعاملات اليومية. والحالة الوحيدة في التاريخ التي تمت فيها محاولة إلغاء ثنائية لغة الإدارة والحكم ولغة الشعب والقراء لغة مشتركة بين الاثنين هي فترة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، ومع الأسف فشلت هذه المحاولة، بسبب إخراج فكرة ازدواجية اللغة ثم ثلاثية اللغة وكأننا أمم متحدة جزائرية؟!* أنا من المعجبين بالنضح السياسي الحاصل في منطقة القبائل، بخصوص مسألة الديمقراطية والمواطنة، لكنني أتعجب وأتساءل لماذا تربط قيادات هذا الحراك مسألة الديمقراطية بمسألة الهوية وحدها، ولا تربطها مسألة شرعية الحكم! لماذا تظهر المظاهرات دائما عشية الحراك السياسي الخاص بالرئاسيات، ولماذا يقايض هؤلاء مسألة لا شرعية الحكم والرئاسة تحديدا بالقرارات غير الديمقراطية التي تخص الهوية؟! هل لا شرعية الحكم جائزة عندما تتخذ قرارات غير شرعية تخص الهوية، وغير جائزة عندما تتخذ قرارات أخرى تخص الحريات ومصادرة الحقوق والاستبداد؟! أنا من أنصار حل مسألة الهوية بصفة عامة واللغة بصفة خاصة كفرع من فروع الهوية، لكن بنظام شرعي وليس بقرارات غير شرعية يتخذها الحكم ليتاجر بالهوية، تماما مثلما تتاجر بها بعض القيادات من زعماء الهوية المزيفين؟!* قل لي يا محترم، أيهما له الأولوية في حراك سياسي جدي: تعيين وزير أول في دهاليز السلطة غير المعروفة ثم عزله في ظرف 30 يوما في مقبرة.. أم إعطاء عطلة مدفوعة الأجر للاحتفال برأس السنة الأمازيغية؟ والمصيبة أن نفس الناس الذين عيّنوا وزيرا أول في مقبرة وأقالوا سابقه، هم الذين يريدون اليوم عزل هذا الوزير الأول باجتماع يعقد هذه المرة في متحف سياسي يسمى جبهة التحرير وليس في مقبرة، وغدا سيجتمعون أيضا في مخمرة أو مقمرة! لعزل من سيعينوه!حال طرح مسألة الأمازيغية في إطار اللاشرعية كما هو الحال اليوم، يشبه حال طرح المسألة الوطنية في الثلاثينيات والأربعينيات في إطار المنظومة الاستعمارية، تماما مثلما يحاول بعضهم اليوم حل مسألة الهوية الأمازيغية في إطار نظام غير شرعي، والتاريخ يعيد نفسه؟! هل فهمتني الآن يا محترم؟[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات