+ -

{وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا}

هذه قاعدة عظيمة لا يشعر بعظمتها إلاّ مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم رسولًا ونبيًّا، وبالطّاعة منهجاً، وبالتّقوى شعاراً ودثاراً، يقول الله وهو أصدق وأعزّ القائلين: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرزُقهُ مِن حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، ومعنى الآية: ومن يتّق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهة لا تخطر بباله. فكلّ من اتّقى الله تعالى، ولازم مرضاة الله في جميع أحواله، فإنّ الله يثيبه في الدّنيا والآخرة. ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجًا ومخرجًا من كلّ شدّة ومشقّة، والعكس كذلك حاصل؛ فمن لم يتّق الله، وقع في الشّدائد والمضايق والأغلال الّتي لا يقدر على التخلّص منها والخروج من تبعتها.وهذه أقوال لبعض السّلف في بعض معاني هذه الآية الكريمة العظيمة: قال ابن مسعود يقول: إنّ أكثر آية في القرآن فرجاً: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} والمعنى أن يعلم أنّه من عند الله، وأنّ الله هو الّذي يعطي ويمنع. وعن ابن عبّاس: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} يقول: يُنْجيه من كلّ كرب في الدّنيا والآخرة. وقال الرّبيع بن خثيم: أي من كلّ شيء ضاق على النّاس. وقال قتادة: أي من شبهات الأمور والكرب عند الموت، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبْ} من حيث لا يرجو أو لا يأمل. وقال عليّ بن صالح: المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه. وقال الحسين بن الفضل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ} في أداء الفرائض، {يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}: من العقوبة. {وَيَرْزُقْهُ}: الثواب، {مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}: أي يبارك له فيما آتاه. وهذه القاعدة العظيمة وردت في ثنايا أحكام الطّلاق؛ لذا قيل: إنّها في الطّلاق خاصة، ومعناها: من يتّق الله فيطلّق طلقة واحدة، حسبما تقتضيه السُّنّة يجعل له مخرجاً بجواز الرّجعة متى ندم على الطّلاق. وقال أكثر العلماء: إنّها قاعدة عامة لكلّ المجالات والشّؤون، أي من يتّق الله في أقواله وأفعاله يجعل له مخرجاً من كرب الدّنيا والآخرة، وهذا أرجح لأوجه، أحدها: حمل اللّفظ على عمومه فيدخل في ذلك الطّلاق وغيره. الثاني: أنّه روي أنّها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنّه أُسرّ ولده وضيّق عليه رزقه، فشكى ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمره بالتّقوى، فلم يلبث إلاّ يسيراً حتّى فرّ ولده من السجن ولده، ووسع الله رزقه. والثّالث: أنّ قوله: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبْ}، لا يناسب الطّلاق وإنّما يناسب التّقوى على العموم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات