38serv

+ -

قيام رمضان أو صلاة التّراويح سُنّة مؤكّدة، وتُؤدَّى في ليالي شهر رمضان المعظّم بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر، فعلها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وواظب عليها، وحثّ النّاس على أدائها، وواظب عليها الصّحابة والتّابعون من بعده.تُعدّ صلاة التّراويح شعيرة من شعائر شهر رمضان، لها جلالها في نفوس المسلمين، ولها قدرها وفضلها عند ربّ العالمين. روى الجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمُر فيه بعزيمة، فيقول: “مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”، ورووا إلاّ الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: صلّى النّبي صلّى الله عليه وسلّم في المسجد فصلّى بصلاته ناس كثيرون، ثمّ صّلى من القابلة فكثروا، ثمّ اجتمعوا من اللّيلة الثالثة فلم يخرج إليهم، فلمّا أصبح قال: “قد رأيتُ صنيعكم فلم يمنعني من الخروج إليكم، إلاّ أنّي خشيت أن تُفرَض عليكم”، وذلك في رمضان.إنّ أوّل مَن صلّى التّراويح هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما دلّت عليه الأحاديث السّابقة ذِكرُها، فصلّى بهم ثلاث ليالي أو أربع ليال، ثمّ لم يخرج بعد ذلك إليهم، رحمة بهم وشفقة عليهم، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم خشي أن تُفرَض عليهم.ونُسِبَت صلاة التّراويح إلى سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، لأنّه جمع النّاس على أُبي بن كعب رضي الله عنه، فكان يُصلّيها بهم، فقد روى البخاري عن عبد الرّحمن بن عبد القاري قال: خرجتُ مع عمر بن الخطّاب ليلة في رمضان فإذا النّاس أوزاع (أي يُصلّون فُرادَى وجماعات) متفرّقين، يُصلّي الرّجل لنفسه، ويُصلّي بصلاته الرّهط، فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان (أي أفضل وأقرب إلى الخير) ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب، قال: ثمّ خرجتُ معه ليلة أخرى والنّاس يُصلّون بصلاة قارئهم، فقال عمر : “نِعمتُ البدعة هذه، والّتي ينامون عنها أفضل من الّتي يقومون (يريد آخر اللّيل) وكان النّاس يقومون أوّلَه” أخرجه البخاري.وصلاة التّراويح من النّوافل المؤكّدة، كما دلّت على ذلك الأحاديث الشّريفة المتقدّمة، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري”: لم يقع في هذه الرّواية عدد الرّكعات الّتي كان يُصلّي بها أُبَي، وقد اختلف في ذلك، ففي الموطأ عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد: أنّها إحدى عشرة، ورواه سعيد بن منصور من أوجه أخر، وزاد فيه: وكانوا يقرؤون بالمئين ويقومون على العصي من طول القيام، ورواه محمد بن نصر من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف قال: ثلاث عشرة، وروى عبد الرّزّاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف فقال: إحدى وعشرين، وروى مالك من طريق يزيد بن خصيفة عن السّائب بن يزيد عشرين ركعة، وهذا محمول على غير الوتر، وعن يزيد بن رومان قال: كان النّاس يقومون في زمان عمر بثلاث وعشرين، وروى محمد بن نصر من طريق عطاء قال: أدركتُهم في رمضان يُصلّون عشرين ركعة وثلاث ركعات الوتر.أمّا القراءة في التّراويح، فليس فيها شيء مسنون، وورد عن السّلف أنّهم كانوا يقرؤون المائتين ويعتمدون على العصي من طول القيام، ولا ينصرفون إلاّ قبيل بزوغ الفجر فيستعجلون الخدم بالطّعام مخافة أن يطّلع الفجر عليهم، وكانوا يقومون بسورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قرئ بها في اثنتي عشرة عُدّ ذلك تخفيفًا.وإنّ قيام رمضان هو التعبُّد إلى الله عزّ وجلّ في لياليه، سواء أكان أوّل اللّيلة أو آخرها، وقيام آخرها بالصّلاة والدّعاء أفضل، لأنّه وقت التجلّيات والمِنَح والعطايا الإلهية، وعلى المسلم أن يتعبَّد الله تعالى فيها ويحتسب أجره عند الله عزّ وجلّ، فلا يقوم لأجل أن يُقال عنه قائم، وكلّما كان مستترًا بقيامه كان أفضل وأقرب إلى الله تعالى، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه”، ومعنى الحديث أنّ مَن أحيا ليالي رمضان بالصّلاة والذِّكر وتلاوة القرآن، مؤمنًا بالله، مُحتسبًا أجره وثوابه عنده، غَفر له ذنوبه الماضية، ما كان منها من صغائر، أمّا الكبائر فلا بد لها من توبة نصوح، كما صرّح بذلك كثير من الفقهاء.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات