+ -

 في هذه الأيام هناك من يطرح مشكلة غياب النقد بشكل عام والنقد الأدبي بشكل خاص في حياتنا الثقافية، ويدعو في نفس الوقت إلى ضرورة إعادة الاعتبار لهذا المعلم المهم جدا من أجل النهوض بفكرنا وآدابنا.في هذا السياق، ينبغي أيضا التساؤل عن مصدر هذه المشكلة، التي تتفاقم باستمرار، خاصة بعد رحيل النقاد الكبار عن دنيانا، وسكوت من بقي منهم على قيد الحياة والاكتفاء غالبا بالكتابة في مجال النقد النظري، والزهد عن ممارسة نقد الأعمال الفكرية والأدبية التي تنشر هنا وهناك في بلداننا.في الوقع، فإن أهمية النقد طرحت مرارا وتكرارا وما يزال هناك من يعتقد أن النقد هو أساس التقدم، ويشكل انعدامه أو فقره جدارا سميكا يحول بيننا وبينا بناء النهضة الاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا. ففي تقديري إن قضية شحوب الممارسة النقدية عندنا يعود أصلا إلى انعدام تكوين أجيال النقاد من طرف أساتذة جامعاتنا.لست أدري لماذا لم يتساءل الناس عن الأسباب التي أدت ولا تزال تؤدي إلى عدم تخرج نقاد بارزين في مجالات النقد الروائي والمسرحي والشعري والثقافي العام من جامعاتنا.ففي الجزائر، مثلا، نجد هذه الظاهرة متفاقمة ومثيرة للقلق فعلا، حيث لم يتخرج من الجامعات الجزائرية ناقد واحد مهم ومؤثر وله إسهام جاد في تشكيل الحياة الفكرية والأدبية الوطنية على مدى أكثر من ثلاثين سنة كاملة.لنأخذ جامعة تيزي وزو كنموذج لهذه الظاهرة، علما أن هذا النموذج يتكرر في كل الجامعات الجزائرية الأخرى. على مدى أكثر من أربعين سنة مضت على نشأة جامعة تيزي وزو، لم يتخرج منها حتى يومنا هذا ناقد بارز في مستوى نقاد لهم مكانة معتبرة في حياتنا الأدبية أمثال خلدون الشمعة أو محمود أمين العالم أو غالي شكري أو محمد مندور أو عبد السلام المسدي أو جابر عصفور وهلم جرا.وفي الحقيقة، فإن السبب في تفاقم وتكريس هذه الكارثة يعود مباشرة إلى عدة عوامل، منها ضحالة الإطارات المكونة، وأعني الأساتذة الذين تسند إليهم مهمة التدريس، وكذلك ضعف منظومة التعليم التكميلي والتعليم الثانوي التي فشلت في إعداد الطلاب إعدادا فكريا وثقافيا متميزا وعصريا لمرحلة التعليم الجامعي.إلى جانب هذين العاملين، فإنه ينبغي ذكر عامل آخر لا يقل أهمية، ويتمثل في فقدان جامعة تيزي وزو والجامعات الجزائرية الأخرى إلى البيئة الفكرية والثقافية والعلمية الناضجة والحاضنة التي تلقح الطلاب بالفكر النقدي المتقدم والمتطور.وبالعكس، فإن هذه الجامعة المذكورة آنفا وغيرها قد أصبحت معاقل لتصفية الحسابات السياسية وفضاء للإضرابات الدائمة عن متابعة الدروس، الأمر الذي حول الأستاذ إلى مجرد شبح فاقد للوقار الفكري والعلمي.بقلم: الكاتب الجزائري أزراج عمر^ يا صديقي وزميلي عمر، أنت تعرف بأن الحكم في الجزائر لا يسمح للمعارضة بنقد برامج الحكم..! ولا يسمح للجامعات بأن تمارس دورها العلمي في نقد وقائع الحياة العامة، وأن الجهل في الجامعات الجزائرية وصل إلى حد ممارسة الرقابة السياسية على رسائل الدكتوراه والماجستير، فتقوم الإدارة في الجامعات بحذف كل المقاطع في رسائل الدكتوراه التي فيها نقد علمي لأي مظهر من مظاهر سوء التسيير للشأن العام في الاقتصاد والسياسة حتى في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام.! ورسال الدكتوراه تسرق كما تسرق الأموال في الجامعات. هل الجامعات التي تقوم بتنظيم جامعات صيفية للأحزاب السياسية الحاكمة يمكن أن يسمح مسيروها للمبدعين في الأدب والشعر والفنون بالإبداع الحر دون رقابة أو ممارسة النقد العلمي لهذا الفعل الإبداعي؟! يا صديقي أزراج، لم يعد في الجامعة أو الصحافة أو حتى الأحزاب من يكون مثلما كنت أنت في السبعينات... حين كتبت في صحافة الحزب عن الحزب ”أيها الحزب الجاثم فوقها كالفقر... تجدد أو تعدد أو تبدد..” الآن الذي تبدد هو العلم والشعب والتعليم والنظام والفن والجمال. عظم الله أجرك في شعب بلادكم”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات