+ -

لا شكّ أنّ قلق الآباء والأمهات على فلذات الأكباد وصغار الأولاد يزداد مع بدء موسم الدراسة، والمتابع لصفحات التواصل الاجتماعي وازدحام الأولياء على أبواب المدارس يُدرك عظيم انشغال الآباء بدراسة الأبناء، فمعظمهم يتساءل عن البرامج، وعن الكتب الّتي تُعين التلميذ في فهم الدروس، وعن الأساليب وأفضل المعلمين وعن الساعات الإضافية والتدعيمية والخصوصية وما إلى ذلك من الهموم التي يحملونها في هذا المجال.والحقيقة أنّ كثيرًا من الآباء والأمهات انشغلوا بالمهم عن الأهم، واهتمّوا بالفرع عن الأصل، كثير من الآباء والأمهات صاروا أكثر اهتمامًا بدراسة أبنائهم أيام الامتحان دون سائر الأيام، وجُلّ اهتمامهم أن يُحصّل الأبناء على العلامة الّتي يأمنون معها عدم الرسوب، كما نُلاحظ أن اهتمام الأولياء مُنصبّ على توفير المحافظ الجميلة والأدوات الكثيرة، وإظهار القدرة على توفير كلّ مُستلزمات الدراسة، بينما نجدهم غير مهتمّين بأخلاق أبنائهم وبناتهم، غير حريصين على أن يكون لدى أولادهم مُستوًى علمي يُمكنهم من كتابة صفحة من خواطرهم وتعبيرهم دون أخطاء إملائية، ولا يُبالون بكلام الأبناء الغير مهذّب ولا بجوابهم وحوارهم الخالي من الآداب سواء مع المعلّم أو غيره.وإذا كان هذا حالنا مع أبنائنا، وكان هذا حال أبنائنا مع الدراسة، فإنّ المستقبل للجميع مجهول، ذلك أن الأبناء إذا درسوا على هذا المنوال فإنهم إذا كُتب لهم النّجاح فإنهم يتخرّجون بدون رصيد علمي يؤهّلهم للعمل والاكتساب وبناء حياة مثل ما بناها الآباء والأجداد، وهذا ليس رجمًا بالغيب ولكنّه مُستوحى ممّا يلاحظه العام والخاص، فمعظم الّذين يحملون الشّهادات لا يملكون الكفاءات، ولا الدلائل على أنهم أهل لتلك الشّهادات.إنّ التربية والتعليم أمران ضروريان للأبناء والبنات، لا يستقيم حال الأبناء دونهما، وكما هو مُدون على أبواب المؤسسات ومقرّ الوزارات أنّ التربية والتعليم هي الأصل الّذي بُنيت عليه المدارس وأُنشئت، وليس لأجل التعليم وحده، فالتعليم يُدرّس الرياضيات وطُرق الحساب، وكذا علوم الكائنات وغير ذلك، بينما التربية شيء آخر، وإنّ كثيرًا من الناس لو خُيّروا بين التربية والتعليم لاختاروا التربية لمعرفتهم بأهميتها، وأنّ العلم ينبني عليها، فالتربية هي الأصل والعلم فرع عنها، فممّا جاء في الأمثال الشعبية أنّ الناس يُقدّمون من هو: ”مْرَبِي وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ”.ومما يُوحي إلى صواب هذا المثل وهذا الرأي؛ أنّ الوزارات قدّمت التربية على التعليم في تسميتها، ما يدلّ دلالة واضحة على أهمية الاعتناء بالتربية، نعم؛ إنّ المطلوب من المدارس والمؤسسات أن تُخرّج أبناء يُحبّون وطنهم، وبيئتهم ومُجتمعهم، ويُحسنون فنون الرياضيات، ويفهمون محيطهم الجغرافي، ويُدركون التاريخ الّذي مرّ عليه الأجداد، المطلوب من المداس والثانويات تخريج جيل قادر على تحمّل مسؤوليته المستقبلية، ولا يكون ذلك في المكتب أو المصنع فحسب، وإنّما في سائر شؤون الحياة، وإنّ إتقان الرياضيات لا تمنع عقوق الآباء والأمهات، ولا تعلّم الفرنسية يمنع من أن يُلقي الأولاد بآبائهم في مراكز استقبال العجزة، ونظافة المحيط والمجتمع من الأوساخ المادية والمعنوية لا يُمكن تحقيقها لولا الإيمان والشعور برقابة المولى الّتي هي ثمرته، لا يكون هذا إلّا بالتربية والتعليم معًا، وفي أسْوَء الحالات بالتربية دون التعليم، فقد خرج الاستعمار الفرنسي ومعظم الجزائريين غير متعلمين، بينما كانوا على مستوى عظيم من التربية والأخلاق، فإلغاء التربية؛ أو الاهتمام المبالغ فيه بالتعليم على حساب التربية خطأ جسيم، لذلك وجب التنويه وحثّ الآباء على تربية الأبناء والبنات حِرصَهُم على الدروس والواجبات المدرسية من كتابة وحساب ولغات وغير ذلك.

الشيخ بشير شارف إمام مسجد الشهداء بوروبة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات