20 سنة قمعا للحركات العمالية من أجل عيـون بوتفليقة

+ -

رغم مباركته للحراك الشعبي ومطالب الشارع الجزائري بالإصلاح السياسي والاقتصادي وبانسحاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم، مشيرا إلى أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين يقف على الدوام إلى جانب الجماهير وأن الحوار وحده هو القناة القادرة على إيجاد الحلول لكل المشاكل، إلا أن الخناق ما انفك يضيق حول رقبة “سي عبد المجيد”. وقبل أشهر، خرج سيدي السعيد عن صمته وألمح إلى إمكانية انسحابه من العمل النقابي، مبررا ذلك بمعاناته من مرض السرطان، غير أن الرأي العام تفاجأ في اليوم الموالي بأمين عام جبهة التحرير الوطني المقال، جمال ولد عباس، يؤكد في تصريحات مثيرة للاشمئزاز كالعادة أن الرجل غير مريض وأنه بصحة جيدة.كان كلام ولد عباس ملامة لسيدي السعيد الذي فكر أن يتنحى بسبب عجزه عن أداء مهامه بسبب المرض، لأن ذلك سينسحب على رئيس الجمهورية، وهو ما أكده ولد عباس بفعلته تلك من دون أن يدري.. وهو ما أدى برئاسة الجمهورية بعد أيام من ذلك إلى إقالة ولد عباس لأسباب صحية!سيدي السعيد من مواليد 4 فيفري 1949 بمدينة عين الحمام في ولاية تيزي وزو، ويعرف كواحد من كبار النقابيين في الجزائر، حيث خلف الأمين العام للمركزية النقابية الراحل، عبد الحق بن حمودة، الذي اغتيل في 1997.ويشهد رفقاء وخصوم سيدي السعيد أن لهذا الأخير “كاريزما” جعلته يكون وراء العديد من الإضرابات التي ميزت القطاع العام في الجزائر، بما في ذلك قطاع التربية سنة 2003، وقبل ذلك إضراب القطاع الصناعي الشهير في 1998.وعلى مدى العشرين سنة الماضية، وقف سي عبد المجيد مع المحيط الرئاسي في السراء والضراء، مباركا كل سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وإن لم تكن شعبية ومضرة بالطبقة الشغيلة التي فتحت عليه العديد من المحاولات للانقلاب عليه من طرف رفاقه، غير أنه وفي كل مرة كان ينجح في الالتفاف عليها وإقصاء خصومه.ومع ذلك، كان سيدي السعيد يعاني من نزيف داخل المركزية النقابية والفدراليات المهمة في البلاد، مثل المحروقات والصناعات الميكانيكية، كما فقد السيطرة على النشاط النقابي في القطاع الصحي والقطاع التربوي الذي تحول بالولاء إلى النقابات المستقلة.ومع إعلان مرض رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في 2013، اختار سيدي السعيد التخندق علانية، بعد سنوات من السرية، إلى جانب المحيط الرئاسي بإبرام تحالف “مقدس” مع اثنين من الشخصيات الأكثر انتقادا في البلاد، وهما أحمد أويحيى، الوزير الأول المقال الإثنين الماضي، والحليف والشريك في القرار السياسي والنقابي، علي حداد، رئيس منتدى رؤساء المؤسسات.من أسباب الغضب العمالي على أمينهم العام، مواقفه المفرطة في مصالح الطبقة الشغيلة لصالح أرباب المؤسسات في المنتدى على حساب القطاع الاقتصادي العمومي الذي يعاني مشاكل هيكلية ومالية ترهن مستقبله. العمال أو بالأحرى النقابيون الغاضبون يرون في سيدي السعيد نقابيا شرسا ضد العمال، لكنه مهادن ومسهل لما تسميه أمينة حزب العمال، لويزة حنون، عمليات الافتراس والنهب والالتهام المنظم للنسيج الاقتصادي العمومي من طرف “الأوليغارشيا” التي تغلغلت في دوائر صناعة القرار خلال السنوات الست الماضية.بعض النقابيين يقولون إن سيدي السعيد كان ينفذ أوامر فوقية وإنه بسبب المرض كان يتساهل ويتنازل رغم معرفته المسبقة بكارثية بعض القرارات، ولعل أبرزها موافقته على ميثاق الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص، الموقع مع أويحيى وحداد في نهاية 2017. لكن قياديين نقابيين آخرين يؤكدون أن سيدي السعيد لم يعد أمينا عاما للمركزية النقابية منذ أن تولى علي حداد رئاسة منتدى المؤسسات في 2014 بعد إطاحته برضا حمياني وإبعاد الأصوات المعارضة له في المنتدى مثل سليم عثماني ويسعد ربراب وحسان خليفاتي، فضلا عن تحييد العيد بن عمر وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي، وتركيز القرار بين أيدي “زمرة” محدودة العدد.وإلى غاية 22 فيفري الماضي، تاريخ انطلاق الحراك الشعبي المعارض لاستمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم بعهدة خامسة، التزم سيدي السعيد منسجما مع موقفه المؤيد والداعم، بسبب “الإنجازات” التي حققها بوتفليقة للجزائر ولفائدة الطبقة الشغيلة، من تحسين للأجور ورفاهية العيش ومستوى الرعاية الصحية..وفي خضم الغضب العمالي خلال الأعوام الماضية والتي تميزت بإضرابات في قطاع التربية وقطاع الصحة، وقف سيدي السعيد ضد كل من نادى بتحسين الأوضاع ومنعها من التدهور، ليتبين أن رأس الاتحاد العام للعمال الجزائريين كان يلتزم الصمت لأن أي تدهور في القطاع العمومي يعني فوائد كبيرة للقطاع الخاص المحتكر من طرف “زمرة” منتدى المؤسسات، الذين انطلقوا في فتح مستشفيات خاصة ومدارس خاصة وتقدموا حتى بطلبات اعتماد تخص إنشاء جامعات خاصة، وتوجهوا إلى التهام نشاط النقل الجوي التجاري وضغطوا من أجل ابتلاع قطاع البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، فضلا عن استصدار قرارات غير قانونية للاستيلاء على المزارع النموذجية التي بيعت لأشخاص محسوبين على المحيط الرئاسي دون دفتر شروط ودون قانون يسمح بذلك.. علما أنها مؤسسات فلاحية ناجحة ومربحة ولا تحتاج إلى استثمارات جديدة!!من الملفات السوداء التي لم تفتح بعد، ملف النقابات في الشركات الأجنبية، وبخاصة الفرنسية منها، حيث وقفت المركزية النقابية في وجه العمال الجزائريين وحرمتهم من الاعتماد، بل وسمحت للشركات الفرنسية بـ”قطع أرزاق” النقابيين لا لسبب إلا لأنهم طالبوا برخصة إنشاء فروع نقابية تدافع عن حقوق العمال، حدث ذلك مع شركة “بيجو” الجزائر وغيرها، ولا تعرف المبررات التي جعلت المركزية النقابية تتستر على ممارسات تتعارض مع قانون النشاط النقابي.كل هذه الخروقات والمواقف “غير النقابية”، وما خفي أعظم، تؤشر على أن الغضب الذي يسكن صدور النقابيين والعمال ليس ارتجاليا وإنما تعبير صريح عن أن الكيل قد طفح وأن الوقت قد حان لاسترجاع الكرامة والحق المسلوب من طرف أشخاص يضعون قبعات النقابيين لكنهم في الواقع عكس ذلك تماما. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات