+ -

تحية للسردوك المحترم، الذي لا تتوقف عقيرته عن الصياح، منذ أربعين سنة، صادحا بالحق ومنافحا عن الحقيقة وموقظا للوعي، أما بعد يا سعد:إن الحراك المبارك، أثبت أنه يحوي بداخله آلية تصفية ذاتية عجيبة، وقوة عظيمة على الفرز الاجتماعي، يميز من خلالها الطيب من الخبيث، والمخلص من المنافق، والثابت من المتلون، والوطني من العميل، والجامع من العنصري، والبنّاء من الهدام، سواء أفرادا أو مؤسسات، ومنها وسائل الإعلام والصحفيين.إنه في كل يوم تقريبا، تتكشف لنا الوجوه وتتعرى أمامنا النوايا وتظهر معادن الرجال، بما يسهل على الجزائريين فهم الخيارات الصائبة والمسارات الصحيحة، التي من شأنها شق طريق في اتجاه جزائر جديدة وموحدة، قائمة على مدنية الدولة، وحدة الشعب، نقاء الهوية وقوة المرجعية.لقد كان أداء الإعلام الجزائري هزيلا جدا، منذ بدء الحراك، وباستثناء عدد قليل من الصحف الخاصة التي واكبت الحدث وأعطت تفسيرات للوقائع من زوايا متعددة، وعملت على البحث والتعمق في الجزئيات ونقاط الظل، فإن الجزء الأكبر من هذا الإعلام سقط مهنيا وأخلاقيا، وأعطى الانطباع بأنه “عدو الشعب”.ولنفهم الأمر، يجب أولا النظر إلى المناخ الذي تعمل فيه وسائل الإعلام، وطرق التمويل والإيديولوجيا التي تسير في ضوئها هذه الوسائل، في ظل غياب تشريعات ومنظمات نقابية قوية تسهر على جودة المحتوى الإعلامي.بالنسبة للمناخ والبيئة التي تعمل فيها وسائل الإعلام، فيمكن القول أنه مناخ يتسم بالخوف والحرية المسقفة، وهي نظرة ناتجة عن تجارب سابقة تعرضت فيها قنوات وصحف للتضييق وحتى الغلق بسبب خطها الافتتاحي أو عدم مسايرتها لما تريده السلطة، لذلك يلجأ الكثير من أصحاب هذه المؤسسات إلى الاصطفاف والدخول في الصف حفاظا على مصالحهم أولا، ورغبة في الحصول على الدعم مقابل الولاء اللامشروط، وقد لاحظنا هذا جليا في زمن النظام البائد، حيث تعملقت الكثير من وسائل الإعلام التي كانت بوقا للفساد وذراعا إعلاميا للعصابة، وعصا غليظة يضربون بها من يعادي تغولهم أو لا يساير أهدافهم.لذلك، فالإعلام إلى اليوم ليس مستقلا كفاية من حيث التمويل، وبالنظر إلى الصعوبات التي تواجهه في هذا الصدد، والذي قد يقود إلى إفلاسها وتسريح عمالها، يرتمي ملاكها في أحضان الجهة التي تمتلك السلطة والنفوذ، لتغدق على الوسيلة الإعلامية بالهبات والدعم المختلف، ويضمن ملاكها مزيدا من المال والنفوذ، مقابل الاستمرار.باختصار، النمط السائد عندنا هو الإعلام السلطوي، الخاضع للسلطة وسياستها وهيمنتها، وهو أمر موجود في كل البلدان على كل حال وله نظريته في مجال الإعلام، لكن ما لا يتوفر عندنا هو النظرة المخالفة، ففي حين تتيح الحرية الإعلامية وجود قنوات وصحف ووسائل إعلام معارضة، نجد هذا الأمر غائب عندنا تماما، وفي مثل هذه الظروف يكون الاصطفاف والتردي المهني تحصيل حاصل.رغم ذلك وجب التنويه بأن الإعلام ليس “كلب حراسة” كما ألف الكثيرون وسمه، لا إطلاقا، إنه أسد جسور يدافع بشراسة عن عرين المجتمعات والشعوب المقهورة وقيم العدالة والمساواة والحرية وثوابت الأمة وهويتها، التي تحاول “الدوغما” و«كهنة السياسة” الاستحواذ عليها ومصادرتها، في كل الظروف والحقب.إن الإعلاميين النزهاء القلائل، الذين مازالوا يرفعون لواء الحقيقة بيمناهم وسراج الوعي بيسراهم، هم بارقة الأمل التي ستغير الأوضاع وتزيل الغشاوة عن الأعين والأفهام، رغم الواقع الموبوء والمتهالك.زواغي عبد العالي - كاتب وباحث 1  - إعلامنا في عمومه بؤرة خصبة لامتدادات الفساد السياسي والمالي وحتى الأخلاقي، فضلا عن نقيصة التضليل.2  - مؤخرا أصبح هذا الإعلام في بعض جوانبه امتدادا للعمالة للخارج، فأصبحت سفارات أجنبية عاملة في الجزائر تقوم بدور رئيس التحرير للعديد من الوسائل الإعلامية، عن طريق إشهار المؤسسات الاقتصادية متعددة الجنسيات العاملة في الجزائر.3  - تأثير الأجانب في محتوى الإعلام أكثر حتى من تأثير الرئيس أو الوزير الأول، وقد أصبح المسؤولون يطلبون من مديري المؤسسات الاقتصادية الأجنبية التدخل لدى مسؤولي الإعلام في الجزائر لدعم سياسة الدولة في قضية من القضايا الوطنية والدولية.4  - يجب فعل شيء غير عادي لتحرير القطاع الإعلامي من الفساد المالي والسياسي والتدهور المهني، بإطلاق الحريات في هذا القطاع وتنظيفه من الدخلاء والعملاء والجهلة، وهذا أمر ممكن.5  - الإعلام يمكن أن يلعب دورا رائدًا إلى جانب العدالة في تحرير الشعب ومحاصرة الفساد وتحسين التسيير، وحريته قوة للدولة والشعب وقمعه تنمية للفساد وسوء التسيير.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات