+ -

أمس، ألقيت النظرة الأخيرة على نعش المرحوم محمد سي فضيل... وهو يتدحرج إلى حفرة القبر... ساعتها تجمدت الدموع في عيني وأحسست بأن جزءا من مخي يوارى التراب.محمد سي فضيل الأستاذ الذي علمني الصحافة ورعاني كما يرعى الأب ابنه، على يده بدأت الحبو في عالم مهنة المتاعب.هو خريج جامعة القاهرة سنة 1963 في الفلسفة. عين رئيس تحرير المجاهد الأسبوعي سنة 1970 من طرف المدير المرحوم محمد الميلي، بعد أن اشتغل صحفيا في المجاهد من 1965 إلى 1970، وأستاذا في مدرسة الصحافة في مادة الفلسفة. هو الذي كتب موضوع “اللص والكلاب” في 1964 وتسبب له في مشاكل مع حكم بن بلة.حصل على جائزة أحسن تحقيق صحفي سنة 1970 وهي الجائزة التي أنشأها المرحوم بومدين لتكريم الكتاب والصحافيين... كانت الجائزة عبارة عن تحقيق كتبه المرحوم في المجاهد الأسبوعي تحت عنوان “ألف كلم للبحث عن موضوع”! والتحقيق أصبح وقتها يدرس في مدرسة الصحافة كنوع من التحقيقات الفنية الرائعة... لذلك تعلقت شخصيا بالتحقيقات وبالأستاذ محمد سي فضيل، كاتب التحقيق. كانت فكرة التحقيق أن الأستاذ فضيل أخذ سيارة ومعه مصور وسائق واتجه غربا للبحث عن موضوع تحقيق. جاب الساحل الغربي للجزائر حتى وهران وعاد ولم يجد موضوعا للكتابة... لأن الجزائر الخارجة من الاستعمار كلها مواضيع للكتابة، وقطع ألف كلم ولم يكتب شيئا... وعندما طلب منه مسؤوله منور مروش الموضوع قال له لم أجد ما أكتب... فقال له منور أكتب تقريرا عن رحلتك تبرر فيها حالتك... فكتب رحمه الله تقريرا عن الرحلة بلمسة ثقافية فلسفية تاريخية اجتماعية إنسانية غاية في الإبداع... وقرأ مروش التقرير الروبورتاج، فقرر نشره، فكان أروع من أي تحقيق، تحدث بمنطق المؤرخ والعالم الاجتماعي والفلسفي ورجل تقصي الحقائق عما تركه الاستعمار من دمار، ولذلك استحق هذا التحقيق أن يدرس في كلية الصحافة، وأن ينال صاحبه جائزة الدولة في الصحافة سلمت له من يد المرحوم بومدين.كنا كشباب تحت قيادته في المجاهد الأسبوعي نحس بأنه الأخ الأكبر وليس مسؤولا عنا، كان عندما يغضب على أحدنا لسبب ما يقول “لا تجعلوني أقطع ملابسي”!هذه هي تصرفات وأخلاق هذا العملاق الذي تعلمت على يده مبادئ الكتابة الصحفية.إن كنت أنسى، فلن أنسى تلك القصائد التي ترجمها من الأمازيغية إلى العربية عن الشاعر سي محند أومحند، شاعر جرجرة الفحل.سي فضيل من طينة مولود قاسم ومن طينة عبد القادر بن قاسي ومن طينة سي العربي لحسن ومن طينة الهاشمي هجرس.المرحوم أتعبه النظام في آخر أيامه حتى أصيب بمرض الزهايمر من كثرة ظلم حزب الأفالان له...آخر منصب له كان في وزارة السكن مستشارا لوزير السكن بونكراف، سألته، رحمه الله، عن نوعية الاستشارة التي يقدمها لوزير السكن، فقال لي بنكتة مرحة: عندما يتعب الوزير من الحديث عن الحديد والإسمنت، أقرأ له الشعر لتهدئة أعصابه، وأحثه على إنجاز سكنات أكثر إنسانية! رحمك الله يا محمد سي فضيل وألهمنا وعائلتك الصبر والسلوان.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات