+ -

يظهر أننا مازلنا بعيدين جدا عن إقامة دولة العدل والقانون، ليس لأن الأمر يتعلق بالعدالة ورجالها فقط، بل لأنه يتعلق أيضا بمسلكية المتقاضين إزاء هذه العدالة، وإزاء تعامل المتقاضين مع القانون والعدالة، سواء كمتهمين أو كمدعين!1 - لقد حزنت على وصول أمر العدالة إلى هذا المستوى عندما سمعت أن المتهمين في محكمة البليدة العسكرية قد رفضوا الامتثال للمحاكمة!فإذا كان هؤلاء المسؤولون السابقون على هذا المستوى من المسؤولية ويرفضون الامتثال للقضاء الذي شيدوه ليحاكموا به غيرهم ويرفضون هم الآن الاحتكام إليه... فهذه إذن أزمة أخرى تتجاوز أزمة الحكم وأزمة العدالة!وحزنت أكثر لما علمت أن بعض هؤلاء طلبوا عبر دفاعهم تأجيل المحاكمة، لأن موكليهم ليسوا في وضعية صحية تسمح لهم بالمحاكمة!والعدالة سخرت أطباء لفحص هؤلاء وأكدوا أنهم يتمتعون بالصحة الكافية لمحاكمتهم! وهذه التصرفات من الدفاع والمتهمين والعدالة تضرب في العمق المحتوى الأخلاقي للعدالة والمقاضاة! فهؤلاء إما أن يكونوا فعلا مرضى والأطباء كذبوا عليهم، وإما أن يكونوا أصحاء وكذبوا على المحكمة، وفي الحالتين هناك أزمة أخلاقية تتعلق بكذب مسؤولين على هذا المستوى من المسؤولية، أو كذب أطباء في حق هؤلاء وعلى هذا المستوى من المسؤولية؟!2 - الجانب الأخلاقي في التقاضي والعدالة مسألة مهمة في تقرير العدالة للبراءة أو الإدانة... فالكذب من أجل تضليل العدالة أو الكذب ضد المتهمين لإصدار أحكام مضللة للعدالة هو مسألة مشينة وتمس بالعدالة في العمق. فمثلا، كيف يستطيع المواطن أن يفسر مسألة رفض بعض النواب التنازل عن الحصانة؟! فإذا كانوا فعلا أبرياء، فلماذا يستخدمون الحصانة لتعطيل العدالة؟! وإذا كانوا فعلا مدانين، فكيف يطيب لهؤلاء استخدام الحصانة لحماية إجرامهم! هذه أيضا مسألة أخلاقية.الحصانة النيابية في أساسها القانوني والفلسفي هي إرادة الشعب يعطيها للنائب للتحصن بها ضد تعسف السلطة التنفيذية، عندما يقوم النائب بالدفاع عن الشعب ضد تصرفات السلطة التنفيذية... لكن استخدام هذه الحصانة من طرف النائب ضد الشعب في قضايا الحق العام، معناه استخدام إرادة الشعب ضد الشعب، وهذه في حد ذاتها جريمة أخلاقية قبل أن تكون جريمة قانونية؟!في البلدان الأخرى أصبح الكذب وتضليل العدالة جريمة سياسية وقانونية يعاقب عليها القانون. أما عندنا فالأمر مختلف.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات