الإعلام الجزائري وأمراضه القاتلة 

+ -

الأخ سعد بوعقبة.. في النظم السياسية التعددية التي تعيش أجواء حقيقية من الديمقراطية، فإن وسائل الإعلام تعتبر أداة فعالة للرقابة من أجل تصحيح الأخطاء والتنبيه للسلبيات، وهي شريك يؤخذ بالحسبان في صناعة مستقبل البلاد، ووفق هذا التصور، فهي جزء فاعل ومكمل ومعزز لباقي السلطات، وليس عدوا يجب إقصاؤه واستبعاده عن طاولة اتخاذ القرار. أما في البلدان ذات النظم الشمولية، فإن مسؤولية وسائل الإعلام تنبع مما تراه هذه النظم، وتستمد قيمها المهنية ورؤيتها للواقع الاجتماعي من توجيهات تلك النظم أيضا، أي أن ما يراه النظام خيرا ستراه وسائل الإعلام خيرا كذلك، ولا مجال هنا لأي تضاد أو جدل أو نقاش، وبذلك تفقد تلك الوسائل أبرز مهامها وهو الاضطلاع بدور الرقيب على مجمل ما يدور في تلك البلدان، وفضلا عن ذلك فإنها تفقد حريتها، وبذلك تفقد المناخ الذي يمدها بالأوكسجين اللازم لبقاء أي وسيلة إعلام.فالإعلام هو البارومتر الحقيقي لقياس مدى وجود حرية تعبير في المجتمع، فحرية الإعلام من حرية المجتمع الذي ينبثق منه، إذا لم تكن له القدرة على قول كل شيء حول أي شيء، فمناخ الحرية يعاني من ضغط عال جدا، لا يتطلب منا أي جهد لإثباته. إن هذا الطرح يا سعد، جاء من أجل أن ألفت نظرك، وأنت الذي تعرف خبايا الإعلام الجزائري جيدا، بأن حجر الزاوية في المعمار الإعلامي الجزائري في غالبه، للأسف، مبني على المادة لا على الفكرة، فهو إلى اليوم مؤسس على فلسفة تجارية ربحية فقط، تتساوق مع الرائج والسائد من تهافت على التربح والثراء بكل الطرق وإن كانت غير شريفة، كما أنه يتقوى بالولاء الأعمى لمركز القوة والنفوذ المستعير باستمرار، لا لقيمة المشروع والجدوى منه وأثره على المجتمع والدولة، وكنتيجة لهذا الوضع، يصبح هذا الإعلام (وأهله) في حد ذاته سلعة كغيره من السلع، يتداولها النافذون ومن تتجمع في أيديهم القوة والنفوذ، من خلال شراء المواقف وحشد الاصطفاف الإعلامي نحو قضية أو شخصية، في سبيل هندسة وعي الرأي العام وصناعة القطيع.لذلك، لا عجب أن النظام الإعلامي عندنا صار ماديا تفكيكيا مضمرا، يتوهم امتلاكه لقوة التأثير وصناعة الرأي العام، بينما في حقيقته هو إعلام منبطح أمام الأجندات السياسية، ونادل وفيّ للمصالح الاقتصادية، يقتات على فتات الإشهار، ولا يقوى على الوقوف الند للند أمام من تتجمع بأيديهم مفاتيح السلطة ومراكز القوة والنفوذ.إننا اليوم في الجزائر الجديدة، نحتاج إلى إعلام حر وقوي، قائم على استيراتيجية بعيدة المدى، إعلام عفيف محترف تتبناه وتؤطره الكفاءة العلمية والموهبة، يسير في ضوء الفكرة وليس المادة، لا إعلاما زبائنيا باهتا وضعيفا يقوده تجار يلهثون وراء منافع شخصية، ويفعلون أي شيء في سبيل تكديس الثروة وحيازة النفوذ، ولو على حساب البلد والرأي العام والقضايا الوجودية وحرية التعبير.عبد العالي زواغي

 الحل يا أخ زواغي لمعضلة الإعلام في الجزائر هو الآتي:1 - إنهاء حالة إعلام الحكومة وتحويل مؤسسات الإعلام في القطاع العام والخاص إلى مؤسسات عمومية وليست حكومية، ويكون ذلك بتبديل الطبيعة القانونية لهذه المؤسسات عبر سحب قرار تعيين وإنهاء مهام المسؤولين عن هذه المؤسسات من السلطات، وإسناد ذلك إلى مجالس إدارة مهنية تنتخب من طرف المهنيين في القطاع والمؤسسات وفي المؤسسات الدستورية المنتخبة.2 - سن مادة في الدستور وفي قانون الإعلام وقانون العقوبات تجرّم فعل التضليل الإعلامي أو استخدام الإعلام بما يتنافي مع رسالة المهنة، وتجريم أيضا الشنطجة أو الابتزاز!3 - إسناد القطاع إلى مهنيين في القطاع، سواء على مستوى التسيير أو الملكية، مثلما هو الحال في الطب والصيدلة والهندسة والمحاماة!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات