38serv

+ -

تعد مهنة الطب من أشرف المهن وأجلّها على الإطلاق، فقد عرف النّاس الطبّ والأطبّاء منذ القدم، ففي اليونان اشتهر الطّبيب أبقراط الّذي يعتبر أبو الطّبّ والأطبّاء، فهو الطّبيب الّذي رعى هذه المهنة رعايةً فائقةً فألّف فيها الكتب، كما اشتُهر بوضعه القَسَم الّذي يقسمه كلّ طبيب قبل أن يزاول مهنة الطّبّ، وهذا القسم يسمّى بقسَم أبقراط، أمّا في الحضارة العربيّة والإسلاميّة فقد اشتهر طبيب عربيّ اسمه الحارث بن كِلدة الثّقفيّ إذ كان طبيبًا ماهرًا في علمه، وكان أشهر الأطبّاء قبل الإسلام،وهو الطّبيب الخاصّ بكسرى أنوشيران، وقد أدرك عصر الإسلام والبعثة فأسلم.

لأهمية مهنة الطب في المجتمع نصّ فقهاء الإسلام وأئمته الأعلام في كتبهم على حكم فرضية تعلُّم الطب على الكفاية بل لم يقف الأمر عند ذلك وإنّما تعدَّاه إلى حَثِّ الهمم وتشجيعهم النّاس لتعلُّمه، قال الإمام الشافعي : ”لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب”، وقال أيضًا: ”صنفان لا غنًى للنّاس عنهما: العلماء لأديانهم والأطباء لأبدانهم”.إنّ تعلّم الطب من فروض الكفاية؛ إذا قام به مَن يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يَقُم به من يكفي أثم النّاس كلّهم، قال الغزالي: ”ولا يستبعد عدّ الطب والحساب من فروض الكفاية فإنّ الحرف والصناعات الّتي لابدّ للنّاس منها في معايشهم كالفلاحة فرض كفاية فالطب والحساب أولى”.ونَفْعُ الطبِّ في حماية النّاس أو إنقاذهم من كثير من المهالك أمرٌ جليٌّ لا يحتاج إلى بسط واستدلال، لذا عني أمراء الإسلام بالطب، ومن مظاهر هذه العناية، تقريب الأطباء على اختلاف مللهم، وإسعادهم بالأرزاق الواسعة، والمناصب العالية، فقد نال عبد الملك بن أبحر الكناني لدى عمر بن عبد العزيز حظوة، وكان عمر يستطبّه، ويعتمد عليه في صناعة الطب. ونال ابن أثال حظوة عند معاوية بن أبي سفيان، فكان معاوية يستطبه، ويحسن إليه، ويكثر من محادثته.كما بنى الخلفاء والأمراء وغيرهم من المطبوعين على فعل الخيرات مستشفياتٍ كثيرةً كانت بالغةَ الغاية في استيفاء وسائل العلاج، وتوفير راحة المرضى حسبما يقتضيه رقيُّ العلم في عصورهم، مثل البيمارستان العتيق الّذي أنشأه أحمد بن طولون بالقاهرة، وبيمارستان العضدي الّذي أنشأه عضد الدولة ابن بويه في بغداد، وبيمارستان مراكش الّذي أنشأه يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن في مدينة مراكش.والطبيب وجوده مهمّ جدًّا للمجتمع وبخاصة أيّام الأوبئة والكوارث، فهو الإنسان القادر على تشخيص الأمراض وعلاجها بإذن الله تعالى، وهو القادر على التّخفيف من أوجاع النّاس وآلامهم بقدرته على تحديد المرض ووضع العلاج المناسب له، ولا شكّ بأنّ هذا الأمر مهمّ للنّاس لما تسبّبه الأمراض لهم من معاناة وآلام تجعلهم في حالة نفسيّة سيّئة، إلى جانب عدم قدرتهم على القيام بأعمالهم وواجبات حياتهم بالصّورة الصّحيحة بسبب آثار المرض على صحّة الإنسان وبدنه، ممّا يعطّل شؤون حياتهم ويعرقل مسيرها. والطب مهنة للكسب الحلال امتدحها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ”نعم العبد الحجّام”، وورد أنّه احتجم وأعطى الحجّام أجره. لذا كان من الواجب على المجتمع أن يكفل للطبيب الحياة الكريمة الّتي تتفق مع دوره ورسالته، وأن يعوّضه مالًا يستطيع المريض بذله، وأن يجمع له بين التّقدير الأدبي والتّقدير المادي.والطبيب المسلم الّذي يحمل أمانة الإسلام أوّلًا وأمانة المحافظة على صحّة المسلمين ودفع الضّرر عنهم ثانيًا أولى النّاس بأن يُكرَّم وتحفظ آدميته وقداسة الوظيفة الّتي يؤدّيها للمجتمع.وفي ظلّ جائحة الفيروس كورونا الّتي أثبتت لنا كم هي عظيمة وخطيرة مهنة الأطباء؛ لذا وجب علينا إعادة الاعتبار لهم وإعطاؤهم المكانة والتّكريم والجزاء الّذي يستحقونه دون منٍّ من أحد.وقد لاحظ الجميع كيف أنّ الكثير من الأطباء ضحّوا بأرواحهم من أجل حمايتنا وحماية المجتمع ككلّ من هذا الوباء المنتشر، ولولا جهودهم المضنية لمَا سلم الكثير من النّاس. ورأينا كيف تبذل أطقم التّمريض وغيرهم من العاملين في المجال الصحي قصارى جهدهم لإنقاذ الأرواح رغم التحديات الكبيرة في مواجهة خطر وباء كورونا الّذي يهدّد العالم أجمع...ولقد آن الوقت كي نعيد النّظر فيمَن يستحقّ الرّواتب العالية والنّجومية في عالم الشّهرة والإعلام. إنّهم الأطباء والممرضين ومعاونيهم والأسلاك المتّصلة بهم الّذين كانوا في الصفوف الأولى مسلّحين بالعلم والإيمان والتّضحية من أجل الوقاية والسّلامة للجميع دون فرق أو تمييز بين أحد، فلكلّ فرد من هؤلاء منّا كلّ التّحية والتّبجيل والتّقدير والإكرام، ولا نقول لهم سوى أنّ أجرهم لن يضيع عند الله سبحانه وتعالى.. فشكرًا لكلّ طبيب، ولكلّ ممرض، ولكلّ مسعف، وجزاكم الله خيرًا[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات