+ -

إن النفس الّتي امتثلت لأوامر الله واجتناب نواهيه لا يؤثّر فيها أي اضطراب نفسي مهما كان، لأنها تحيا حياتها على يقين تام بالله، فهي متوافقة مع نفسها والمجتمع الّذي تحيا فيه فتحصّل بذلك الاستقرار النّفسي: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام: 162.وتزكية النّفس ومحاولة علاجها وتوجّهها نحو النّهج السّليم يؤدّي إلى تحقيق الرّاحة النّفسية والطّمأنينة القلبية، وبالتّالي تكون سلوكياتها الّتي تصدر عنها سليمة صحيحة وليس بها شذوذ أو خلل لأنّها وفق توجيه الله: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) المُلك: 14.ولمّا كان اليأس محتلًا مرتبة متقدمة في هذه الأمراض النّفسية الفتّاكة، حذّرنا ربّنا منه فقال: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُور} هود: 09.وجعل بوّابة الوقاية والشّفاء الأمل بالله وبما عنده فقال جلّ جلاله: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف: 87.وفتح باب الأمل على مصراعيه للعائدين إلى رحابه فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله} الزُّمَر: 53.ولأهمية الصحة النّفسية، خصّها القرآن الكريم بتوجيهات متنوّعة متعدّدة مراعيًا خصائصها، فنوَّع لها العلاج، وأرسى على رأس ذلك ذِكر الله تبارك وتعالى، إذ به تسجير النّفس بربّها، فيطمئن قلبها، وتسكن روحها: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرّعد: 28.يطمئن القلب فيقود صاحبه إلى العمل الصّالح الّذي يحيا به حياة طيّبة كفلها له ربّه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النّحل: 97.حياة طيّبة لأنّ المعاصي شؤم على النّفس، لما تخلفه من اضطرابات ووساوس يركبها شياطين الإنس والجان: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} طه: 124.معيشة ضنكة لأنّها نفس بعيدة عن الله، ولا تشعر براحة قربه وتفويض الأمر إليه، وحسن التوكّل عليه: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} التّوبة: 51.ولمّا كان الإنسان مُبتَلَى في هذه الحياة: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} المُلك: 02.ومبتلى بفقد العزيز ونقص في النّفس والمال وغير ذلك {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} البقرة: 155، وجّهه القرآن للصّبر وبشّره: {وَبَشِرِ الصَّابِرِينَ} البقرة: 155.وكفل بعد ذلك رزقه ليرتاح فكره وتصحّ نفسه: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَمَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} الذّاريات: 22-23.وجعل صلة العبد بربّه مباشرة ليتيقن من الرّعاية ويضمن الوصال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر: 60، وأكّد قربه لعبده ليطمئن قلبه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} البقرة: 186.وجعل سبحانه القرآن الكريم شفاءَ ماديًا ومعنويًا ورحمة لعباده الموقنين: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء: 86.بهذا وبغيره، كفل القرآن الكريم للإنسان نفسية سليمة تتوكّل على الله، وتطرق بابه، يحذوها أمل به، وثقة بما عنده، وتعلم أنّها في عنايته ورعايته فيطمئن بذلك القلب وترتاح النّفس وتصحّ.

مدير معهد اقرأ للقرآن وعلومه-الجزائر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات