“ترقبنا تخفيف الدستور الحالي فتفاجأنا بالعكس تماما”

+ -

يصف أستاذ القانون العـضو سابقا في المجلس الدستوري عمار رخيلة، في حوار مع “الخبر”، المشروع التمهيدي لتعديل الدستور بـ “خيبة أمل”، فالوثيقة حسبه “إعادة ترتيب للدستور الحالي وتكريس لوضع سابق، ولا يمكن للتعديلات الجديدة أن تبني دولة القانون”. ويرى رخيلة أن “لجنة صياغة الدستور قدمت مبررات بعدم إجراء تعديلات عوض تبريرات عن سبب التعديلات”.ما هي ملاحظاتك على شكل وثيقة مشروع الدستور؟ رسالة التكليف التي حظيت بها لجنة مراجعة الدستور كانت واضحة من خلال تعيين نخبة من الخبراء في القانون، التي أجرت تعديلات على الدستور ومُنحت لها صلاحيات كاملة لإحداث تعديل عميق على الوثيقة. لكن للأسف، الزملاء في اللجنة كرسوا في عرض أسباب مشروع الدستور، مبررات لعـدم إجراء تعديلات على بعض المواد والأحكام، عوض شرح الأسباب وتقديم مبررات التعديلات الجديدة، وكأنهم نصبوا أنفسهم أوصياء على الوثيقة التي تتطلع في أصلها إلى بناء المستقبل. ولاحظت شخصيا أمرا مهما آخر في الوثيقة، أن مواد الدستور قفزت من 218 مادة إلى 240 مادة، وقد كان الدستور الحالي يوصف بأنه ثقيل، فترقبنا تخفيفه وإعادة ترتيب فصوله ثم تنظيمه، إلى أن تفاجأنا بالعكس تماما.هل وردت في الوثيقة التزامات رئيس الجمهورية التي تعهد بها في برنامجه الانتخابي؟ رئيس الجمهورية التزم وصرح أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية لرئاسيات 12 ديسمبر بأنه سيقـلص من صلاحياته الممنوحة له في الدستور الحالي، لكن حسب نص المشروع لاحظت بأنه حافظ على الصلاحيات القديمة، بل أضاف لها صلاحيات أخرى، حيث إن رئيس الجمهورية في دستور 2016 كان عبارة عـن ملك غير متوج.ما الصلاحيات الجديدة التي أضيفت لرئيس الجمهورية في مشروع التعديل؟في المادة 187 من الوثيقة، نلاحظ تدخل رئيس الجمهورية في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، ومنح لنفسه صلاحية التعيين حتى في الوظائف القضائية النوعية، فالتركيبة الخاصة بالمجلس التي يفترض فيها أنها للقضاة وحدهم أصبحت بحكم المشروع الجديد حكـرا على الرئيس.هل تعتقد أن الرئيس تبون هو من طلب إضافة تلك الصلاحيات، أم كانت باقتراح من لجنة الخبراء؟ سؤالك هذا يدفعني إلى الرد عليه بسؤال آخر: هل خبراء لجنة مراجعة الدستور كانوا أحرارا في تحرير الوثيقة؟ إذا كانوا كذلك فقد خيبوا آمالنا، لأنهم تاريخيا مسؤولون عن الوثيقة في شكلها الحالي وتحسب عليهم، لكنها في نفس الوقت تحسب أيضا على الرئيس تبون، فقد كنا ننتظر أن يلتزم الرئيس بالوعود التي قطعها على نفسه، ويقلص من صلاحياته.لكن الوثيقة مجرد مشروع قابل للتعديل أو الحذف أو الإضافة بحسب الرئاسة، وقد يتغير فحواها في ظل المناقشة.. الوثيقة شاملة ولا أعتقد أنها ستتغير كثيرا لأنها ستجد من يدافع عنها، فلسنا للأسف في مجتمع له رأي قوي، أو رأي عام يعارض بشدة ويقول “لا” ويعرف التمييز بدقة، وما علينا سوى انتظار ما بعد رمضان خروج جمعيات تهلل للوثيقة.لكن مشروع الدستور سيُعـرض على الاستفتاء وقد يصبح لاغيا إذا لم يرض عنه الشعب.. إذا كانت العمليات الانتخابية التي يتقدم لها مرشحون وتشرف عليها الأحزاب ويراقبها المراقبون، لم تسلم من المس في مصداقية نتائجها، فما الضامن أن لا تسلم وثيقة مشروع الدستور أيضا من نفس المصير، كما لا يمكن أن ننتظر من المجلس الشعبي الوطني إدخال تغييرات عميقة على المشروع عندما يعرض عليه. شخصيا، وكعضو في المجتمع، سجلت خيبة أمل وأشعر بالإحباط من تعديلات مشروع الدستور، فمن خلال هذه الوثيقة لا يمكن بناء دولة القانون، فقد كانت لي ثقة في هذا التعديل انطلاقا من متغيرات عديدة، أبرزها الحراك الشعبي وكذا إبعاد قوى كانت تحتكر السلطة في وقت مضى، حتى وجدنا أن التغيير شمل الأشخاص ولم يمس التصرفات والمفاهيم، ولذلك سيبقى التغيير في ظل هذه الظروف أعرج، وإعادة ترتيب لدستور 2016 وتكريسا لما كان في السابق.احتفظت التعديلات الدستورية بشكل نظام الحكم الحالي شبه الرئاسي، وبررت لجنة المراجعة عدم اقتراح تغييره بمجموعة من القيود التي تعارض رسالة التكليف حسبها، ما رأيك؟ رسالة التكليف التي حظيت بها لجنة الخبراء كانت واضحة، ومنحت لها الحرية في تحرير الوثيقة ماعدا الثوابت الوطنية وعناصر الهوية. أما مسألة نظام الحكم فيوجد نظامان وحيدان في العالم، نظام رئاسي على النموذج الأمريكي الذي نحن بعيدون عنه ولا يتناسب معنا بحكم أن الولايات المتحدة نظامها فيدرالي، ونظام على النموذج الفرنسي الذي هو أقرب نظام إلينا ويمنح للوزير الأول صلاحيات واسعة، والنظام الثاني، البرلماني، وله ضوابطه أيضا. والملاحظ في معرض الحديث عن نظام الحكم، أن السلطة التنفيذية برأسها الثاني، رئيس الحكومة، لا يخرج من الأغلبية البرلمانية، والصلاحيات التي منحت له في التعديل الجديد موجودة في دستور 2016 بصفته وزيرا أول، ماعدا إضافة صلاحية إمكانية تفويض بعض صلاحياته للوزراء، الذين هم أصلا وزراء السيادة لكن بعنوان التفويض، ورئيس الحكومة الذي لا يكون من الأغلبية البرلمانية، فما فائدتها إذن مادامت هي المسؤولة عن برنامجه.هل استحداث منصب نائب لرئيس الجمهورية إجراء إصلاحي أم مجرد ديكور سياسي؟ اللجوء في تعديل الدستور إلى استحداث منصب نائب الرئيس لم يأت على الطريقة الأمريكية التي يرافق فيها الرئيس في كل شيء، حتى في حملاته الانتخابية، بل جاء احتياطيا لسد حالة شغور..هل تعتقد أن الرئيس سيعين نائبا له مباشرة بعد اعتماد الدستور، أم ينتظر وقوع مانع وحدوث حالة شغور؟ رئيس الجمهورية بحسب تعديل الدستور لا يعين نائبا له إلا في حالة الإمكانية، فالنقطة السادسة من المادة 95 تنص على أنه يمكن أن يعين الرئيس نائبا له وينهي مهامه، وتلك إشكالية دستورية، فهذا النائب ليست له صلاحيات، لذلك فالرئيس لن يعين نائبا له لأنه غير ملزم دستوريا بذلك، أما الشغـور الذي يترب عن عجز الرئيس فيتم من خلال المحكمة الدستورية. وعليه، أقترح في هذه المسألة أن تتم إضافة ودسترة عرض رئيس الجمهورية على الخبرة الطبية سنويا وجوبا، لتفادي كل الإشكالات التي قد يحدثها أي نوع من العجز، فالرئيس له صلة بالعالم ويتحادث مع قادته ويدير شؤون الأمة.نظرت لجنة مراجعة الدستور إلى الحقوق والحريات من حيث “الكم” فاقترحت تعزيزها بحقوق وحريات جديدة، هل عدد الحقوق له أثر على مدى احترامها وتكريسها؟ الحقوق والحريات الجديدة الواردة في الوثيقة الجديدة موجودة في دستور 2016 بمواد واضحة، وتم التصرف فيها من خلال الباب الثاني من تعديل الدستور عبر العودة إليها بشكل آخر، لكنها في الأصل موجودة أيضا في قانون الإجراءات الجزائية وقانون العقوبات ونصوص حقوق الإنسان، كما أن المسألة ليست مرتبطة بتكريس الحقوق والحريات، فدسترة الحياة في النص شيء، وفي الواقع شيء آخر.يقترح تعديل الدستور تحويل المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية، ما أثر هذا التغيير برأيك؟ ما بين مجلس دستوري ومحكمة دستورية بون شاسع، فالمحكمة معناها القضاء والقضاة ويتوجب أن تتسم بالحرية، لا أن تعمل بنفس الصيغة التي يتمتع بها المجلس الدستوري. فالبرلمان، حسب تعديل الدستور، يعين أعضاء في المحكمة الدستورية ليسوا منه (نواب)، بمعنى يمكن أن يهيمن أي حزب سياسي على المحكمة لمجرد أن يكون مناضل أو قيادي من حزب مُعيّن في تشكيلتها، وبالمحصلة ستتحول المحكمة الدستورية إلى تجمع لممثلين من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.هل تتحقق استقلالية القضاء بمجرد إبعاد وزير العدل من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، فيما يبقى رئيس الجمهورية رئيسا له وضامنا لاستقلالية القضاء؟ أسلوب التعيين في المؤسسات السيادية لا يستقيم مع استقلاليتها ولا مع أداء عملها بأمانة، فالمعين يبقى دائما موظفا، أما بخصوص المجلس الأعلى للقضاء، فمادام التعيين فيه يتم من طرف رأس السلطة التنفيذية فلا مجال للحديث عن استقلالية القضاء، لأنه يوجد مبدأ دستوري قائم على أن سلطة تحد سلطة، وتعديل الدستور في هذا الجانب لا يكرس هذا المبدأ، فمن له حق التعيين له حق الإقالة، وكل ما جاء بشأن استقلالية القضاء لا يعـدو ضحكا على الذقون.يمكن لرئيس الجمهورية في تعديل الدستور أن يرسل وحدات من الجيش إلى الخارج، هل يعني هذا تغـيّر في العقيدة العسكرية للجزائر؟ شخصيا نظرت إلى هذا الاقتراح في الوثيقة بإيجابية، فالجزائر عضو في المجتمع الدولي، والنزاعات في العالم تحل عبر المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي باعتبارها قوى لضبط النظام في دول النزاع، وإدراج إرسال الجيش إلى الخارج في التعديل مهم جدا، لأنّه يضع حدا أمام محاولات إضعاف إسهام الجزائر في الحفاظ على الأمن.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات