الصيرفة الإسلامية ودورها في إنعاش الاقتصاد الجزائري

+ -

 تترقب الجزائر كغيرها من دول المنطقة العربية ودول العالم المختلفة، سنوات اقتصادية صعبة لم يعرفها العالم منذ سنوات عدّة، نتيجة التّراجع الحاد في أسعار النفط بالأسواق الدولية لتبلغ أدنى مستوياتها منذ عقود، إضافة إلى تفشي جائحة كورونا في العالم أجمع وتعطيلها لأغلب مرافق الحياة، ما كان له آثار اقتصادية سيّئة.صعوبات كبيرة حتّمت على السلطات الجزائرية اتّخاذ إجراءات عاجلة لتفادي أزمة يمكنها أن تعصف بالسلم الاجتماعي في البلاد، ومن بين تلك الإجراءات تسريع مسار إنشاء بنوك إسلامية، خاصة في البلاد (الصيرفة الإسلامية).ففي ظلّ هذه الأزمة وسعيًا منه لمواجهة تداعيات الصّدمة النفطية وانتشار فيروس كورونا، رخّص البنك المركزي الجزائري بقيام البنوك العاملة في السوق المحلية بالتسويق لثمانية منتجات مصرفية إسلامية جديدة.وإنّ أهمّ المبادئ والأسس العامة الّتي تقوم عليها المالية الإسلامية هي تحريم الرّبا {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وتحريم الغَرَر “نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الْغَرَر”، وتحريم أكل مال النّاس بالباطل {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم}، وتقاسم المخاطر، والاشتراك في الرّبح والخسارة، قال ابن قدامة: “والضيعة على قدر المال.. لا نعلم في هذا خلافًا بين أهل العلم”، واستناد كلّ تمويل إلى أصل حقيقي.ويتّسِم التّمويل الإسلامي بالعديد من الممارسات الأساسية في القطاع المالي، أبرزها التّركيز على السّلوكيات والأخلاقيات لتتميّز المؤسسات الاسلامية بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه المجتمع، فضلًا عن احترام حقوق الملكية وتنفيذ العقود، بالإضافة إلى عملية تقاسم المخاطر وتحمّل الرّبح والخسارة مع العملاء. ويساهم في تقليل المخاطر بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى توفير وصول رأس المال لنطاق أوسع من المشروعات وتشجيع الابتكار والحفاظ على المواهب وإيجاد فرص عمل للشباب، ما يؤدّي في النهاية لآثار إيجابية على المجتمع والاقتصاد والتنمية.وقد أضحت المصارف الإسلامية سوقًا عالميًا ينمو باطراد في أكثر من 100 دولة في العالم، وتحظى باهتمام من قبل البنوك الدولية الكبرى والمؤسسات المالية الدولية. كما أصبحت مادة المالية الإسلامية تدرَّس في كبرى الجامعات العالمية، وتنامت الأبحاث والدّراسات والنّدوات والمؤتمرات عالميًا حولها لتوسّع الاهتمام بالاقتصاد والتمويل الأخلاقي.إنّ الثقة في التّمويل الإسلامي آخذة بالنّمو، خاصة في البلدان العربية وغير العربية، وأصبحت المصرفية الإسلامية محطّ أنظار خبراء المال على مستوى العالم ليتعرّفوا على أسس الصيرفة والتمويل الإسلامي وكيف نجت الصيرفة الإسلامية من براثن الأزمة العالمية.وأقيمت العديد من المؤتمرات في معظم دول العالم، منها إنجلترا وأمريكا وفرنسا، طُرِح فيها عديد القضايا المتعلّقة بطبيعة الصناعة المصرفية الإسلامية. وأعلنت فرنسا افتتاح أوّل بنك إسلامي فيها بعد موافقة مجلس النواب الفرنسي على تعديل قانون المصارف بما يسمح بفتح مصارف إسلامية، إضافة إلى توجّه العديد من الدول الإسلامية نحو التوسّع في العمل المصرفي الإسلامي.وأمست المصرفية الإسلامية مدار اهتمام الخبراء وصنّاع القرار على مستوى العالم من أجل إيجاد الحلول للمشكلات والأزمات المالية العالمية، وحصل العمل المصرفي الإسلامي على الاعتبار والتّقدير من قبل بعض المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كما تميّزت المرحلة الرّاهنة بالانتشار والتوسّع الدولي، وتنافس المصارف التقليدية والأجنبية على تقديم خدمات ومنتجات مصرفية متوافقة مع الشّريعة الإسلامية.ويعود تزايد الثقة في نظام التّمويل الإسلامي إلى قدرته على تغطية الثغرات في الأنظمة المالية التقليدية، إضافة إلى سرعة نموّه في أسواق المال، ودفعَا هذين العاملين الاقتصاديات الغربية القوية، كسويسرا وبريطانيا وألمانيا، إلى إصدار صكوك وفق نظام التّمويل الإسلامي.وتحتاج “الصيرفة الإسلامية في الجزائر” إلى شيئين مهمّين حتّى تكون لها انطلاقة صحيحة، أوّلًا: الإطار القانوني المنظّم لها، وقد تمّ طرحه، وثانيًا: هيئة شرعية موحّدة تكون المرجع في ظلّ وجود تنوّع أو اختلاف في الفتوى من مذهب إلى آخر ومن دولة إلى أخرى.وتهدف صيغ التمويل الإسلامية (دون فوائد ربوية) إلى المساهمة في تعبئة الادخار، خصوصًا ضخّ النّقد المتداول خارج البنوك، في إشارة إلى السّوق الموازية ليصبح داخل السوق الرسمية. وتقدّر قيمة السوق الموازية في الجزائر بأكثر من 40 مليار دولار، وفق بيانات رسمية، فيما يرى مراقبون الرقم يتجاوز 60 مليار دولار، وإنّ المنتجات المصرفية الإسلامية المرخّص لها هي: المرابحة والمضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع وحسابات الودائع وودائع الاستثمار.وتسعى الحكومة من وراء ذلك إلى التّقليل من الآثار السّلبية لظاهرة السوق الموازية، في إطار التوجّهات الجديدة للحكومة بهدف تشجيع الصيرفة الإسلامية، وعزم بنك الجزائر المركزي على إنشاء منظومة الصيرفة الإسلامية.وسيُتيح التّمويل الإسلامي للمصارف الحكومية الّتي تسيطر على 87 في المائة من السوق المالية، تكييف عروضها في هذا المجال لامتصاص الأموال الموجودة في السوق الموازية.ويدعو الخبراء إلى تعزيز الأدوات المالية بما يلائم قناعات غالبية السكان، بطرح الأدوات المالية الإسلامية لاستدراج تلك الأموال الهائلة إلى المصارف والقنوات الرسمية، من أجل تعزيز تمويل الاستثمارات والحفاظ على تماسك النظام المالي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات