الوقاية من الأمراض والحرائق وحوادث السيارات

+ -

 إنّ الجميع يلاحظ ويلمس مدى استهتار الجزائريين في موضوع الوقاية والمحافظة على النّفس. ما تشهده بلادنا هذه الأيّام من حرائق أتت على الأخضر واليابس، وكثرة في حوادث المرور المريعة، وعدد الغرقى في ازدياد، أمّا إصابات ووفيات كورونا فهي في ارتفاع مخيف.. كلّ هذا سببه عدم الأخذ بشروط السّلامة والحيطة والحذر.لقد حثّت الشّريعة الإسلامية الغرّاء على المحافظة على النّفس، وصحة الأبدان، والوقاية من الأمراض وممّا يكون سببًا في هلاك الإنسان. قال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.وقد اهتمَّ المنهج الإسلامي منذ بداية نزوله بتوعية المسلمين لكلّ ما فيه الخير لدينهم ودنياهم؛ فأمرهم بالعلم وحضَّ عليه، ورغَّبهم في استخدام هذا العلم في إصلاح كلّ جوانب الحياة. ومن أهمِ هذه المجالات الّتي أبدع فيها المنهج الإسلامي مجال الوقاية من الأمراض؛ فقد ظهر فيه بجلاء حرص الإسلام ليس فقط على الأمّة الإسلامية ولكن على عموم الإنسانية؛ فإنّ الأمراض إذا انتشرت في مجتمع فإنّها لا تخصُّ دينًا دون دين، ولا تختار عنصرًا دون عنصر، ولكنّها تؤثِّر سلبًا على حياة العموم من النّاس.وللطب الوقائي ارتباط وثيق بثقافة المجتمع ودينه، والتعاليم الإسلامية غنية بالقيم الوقائية. وهذه التّوجيهات الّتي عرفها الطب الحديث مؤخّرًا أمر بها الإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وجعلها جزءًا من الدّين؛ حيث يحث على النّظافة. ولكن للأسف يجهل الكثير من المسلمين هذه التعاليم ويعملون عكسها تمامًا؛ ولذا فهم يعانون من هذه الأمراض ويجلبونها لأنفسهم ومجتمعاتهم بسوء تصرّفاتهم.والإسلام دعا إلى نظافة البيئة المحيطة بالإنسان كجمع النفايات وعدم تركها في الأماكن الّتي تسبّب الأذى للإنسان أو البيئة، وأمر بمكافحة الحشرات الناقلة للأمراض وإلى نظافة مصادر المياه وإلى نظافة المسكن والشارع، ولم يترك الإسلام صغيرة أو كبيرة في نظافة البيئة إلّا وأكّد عليها، ولو طبّق المسلمون هذه التعاليم لكانوا أصحاب أنظف وأطهر مظهر بين كافة الأمم. روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “من أخرج من طريق المسلمين شيئًا يؤذيهم كتب الله به حسنة ومن كتب له حسنة أدخله الجنّة”.كما وضع الإسلام قاعدة في التّعامل مع المرض الوبائي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارًا منه”.وحثّ الإسلام على العلاج الوقائي والتحصينات الوقائية، ولا يعتبر ذلك هروبًا من قضاء الله. كما حثّ على عزل المريض بمرض معدي في البيت أو المستشفى، وعلى عدم اختلاطه بالأصحاء حتّى لا تنتقل إليهم العدوى، قال صلّى الله عليه وسلّم: “لا يوردنَ مُمض على مصح”؛ أي لا يدخل المريض على الأصحاء فينقل إليهم العدوى.وقد سنّ الإسلام مبدأ الحجر الصحي وعزل المريض الّذي لا يرجى شفاؤه عن النّاس، وهذا مثال في تغليب العقل على العاطفة والمنطق العلمي على المجاملات “كلّم المجذوم وبينك وبينه قدر رمح أو رمحين”.ومن الأحاديث النّبويّة الّتي تطرَّقت إلى مجال (الوقاية من الحريق) قوله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ هذه النّار إنّما هي عدوٌّ لكم، فإذا نِمتُم فأطْفِئوها عنكم”.أمّا حوادث الغرق المتكرّرة بشكل يومي فيجب الانتباه لها من العوائل والمصطفين، ولا يجوز المخاطرة بالنّفس في سبيل الاصطياف، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لا ضرر ولا ضرار”، وفي هذا التّوجيه النّبويّ ما يدلّ على أنّ الإسلام لا يقرّ أيّ عمل أو سلوك أو أيّ تصرّف فيه ضرر أو ضرار.وهذه القاعدة الإسلامية، توضّح أنّ الإسلام لا يُقرّ أيّ سلوك فيه ضرر يصيب حياة الإنسان، لأنّ الإسلام هو دين الخير والنّفع يدعو إلى صحة الأبدان وإلى الأمان، ويحذّر من كلّ سلوك يترتّب عليه ضرر بالنّفس أو إضرار بالآخرين.ويجب التّذكير بدور الدولة وبخاصة الوزارات المعنية (الصحة، البيئة، الزراعة، الاقتصاد والصناعة..) في المراقبة والحماية ومنع ظهور هذه الحوادث المختلفة وبخاصة الأوبئة أو انتشارها، وأنّ مسؤوليتها عظيمة في هذا، فعلى عاتقها تقع مهمّة التأكيد على الالتزام بالضّوابط الصحية في الزراعة ونظافة المحيط والالتزام بقواعد المرور وحثّ المجتمع على العيش وفق القواعد الصحية في جميع جوانب الحياة ليعيش الفرد سالمًا معافى.وممّا تقتضيه المصلحة أيضًا سنّ العقوبات المشدّدة الزاجرة بأنواعها، ومنها التّعزير المالي أو البدني بالحبس لمَن يخالف الأنظمة الصحية أو يتسبّب في الحرائق، أو يعرّض نفسه أو أنفس الآخرين للخطر، ولمَن يخالف التعليمات المنظمة للمرور لردع من يُعرِّض أمن النّاس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى أخذًا بأحكام الحسبة المقررة شرعًا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات