أخطار تهدد مجتمعنا.. النزعات العرقية والدعوات العنصرية

+ -

إن التنوع هو الأصل في البشر، هذا أمر واقع مشهود، ونظريا تجد كثيرا من الناس يدّعون قبولهم الآخر وقبولهم التنوع، بيد أن الواقع يكشف عن مخزون كبير من النزعات العِرقية الحمقاء والدعوات العنصرية المقيتة والحقد الأهوج على الآخر عندهم، وشتان بين المقال والفعال وشتان بين الدعوى والحقيقة!إن تاريخ البشرية الحديث والقديم يكشف عن مآس عظام نتجت عن التعصب للأعراق استجابة للدعوات العنصرية العمياء: أُزهقت بسببها أرواح وتدمّرت شعوب وقُسمت دول وأُبيدت أمم... قد يكون من أبرزها وأفظعها موجة الاستعمار الغربي الأوروبي لدول القارات الثلاث، وما صحب ذلك من دمار ووحشية وهمجية وإبادة وجرائم ضدّ الإنسانية، والحربان العالميتان (هما أوروبيتان في الأصل ولكن العالم كلّه أصابه شرّها وضررها فأطلق عليها عالمية!!) وخاصة الثانية منهما، الّتي كان مستند النازية فيها هو صفاء العرق الآري وأفضليته على باقي الأعراق!!. ومسكين هتلر (ومثله مجرمو الحرب المنتصرون: روزفلت وستالين وتشرشل ودي غول... إلخ) فزيادة على أنّه صار يضرب به المثل في الدّموية والوحشية والإجرام، فإنّ العلم أظهره في صورة الأحمق الغبي، إذ أثبتت الدّراسات العلمية أنّ الجنس الجرمانيّ من أهجن الأجناس وأبعدها عن الصفاء والنّقاء!!على كل هتلر على حمقه وشذوذه كان زعيمًا لأمته في وقت ما، وقادهم بذلك الزّعم والوهم السّخيف إلى ذلك الدّمار المعلوم من تاريخ ألمانيا، وربّما لا يعلم الكثير أنّها ما تزال تسدّد ما أُلزمت به من تعويض للدّول الأوربية (طبعًا الأوروبية فقط) إلى يوم النّاس هذا!!. ولا أحمق ولا أغبى منه إلّا تلك القطعان من البشر الّتي ما تزال تحمل رايات النّزعات العِرقية البغيضة!، وما تزال تؤمن بتلك الدّعوى العنصرية المقيتة! وهم مستعدون للمشاركة في كلّ فتنة قائمة على نزعة عِرقية أو دعوى عنصرية مهما كانت هذه الفتنة! ومهما كان محرّكها! ومهما كانت مقاصدها! بل إنّ المتعصب لعِرقه المُعتدّ بعنصره مستعدٌّ في الغالب للتّعامل مع أعداء أمته من أجل تحقيق أهدافه الفئوية وأغراضه العرقية! وكم من حرب أهلية انفجرت من دعوى عنصرية ونزعة عرقية! والمستفيد هو مستعمر الأمس طبعا! وكم من دولة انشطرت وانقسمت وكان مبدأ ذلك التّعصب العِرقي والنزعات العنصرية!، والمستفيد هو مستعمر الأمس طبعًا!... والأمثلة كثيرة معروفة ولكن أكثر النّاس لا يعتبرون!، بل أقول: إنّ من يعتقد أفضليته على غيره لعِرقه وعنصره، أو يعتقد أنّ له حقوقًا زيادة على ما لمواطنيه بسبب عرقه أو عنصره يصير في الغالب غبيًّا أحمقًا عصبيًّا، ولو كان حاصلًا على أعلى الشّهادات العلمية، بَلْهَ من كان منهم محدودًا في عقله وعلمه!، وما ذلك إلاّ لتسلّط الهوى والعصبية عليه، ومن سيطر عليه الهوى لا ينفعه عقل ولا علم: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.إنّي لأعجب كيف يعتقد إنسان أنه أفضل من غيره لمجرّد عِرقه وعنصره، وقد أثبت تشريح الجسد البشري أن البشر كلَّهم أجمعين أبتعين أكتعين متماثلون في كلّ شيء أسودهم وأصفرهم وأبيضهم وأحمرهم! ولا يزيد أحدهم على الآخر بشيء! حتّى فيروس كورونا أثبت أنّ البشر كلَّهم معرّضون لنفس الأخطار، ولأجسامهم نفس ردّ الفعل للفيروسات والمكروبات ومختلف الأمراض وأدويتها!، قاتل الله التّعصب العِرقي جعلنا نبذل جهدًا لتوضيح الواضح وتبيين المبين!... ولكن عجبي يتضاعف أضعافًا كثيرة ولا ينقطع حين تتثور نزعة عرقية بغيضة أو تعلو دعوى عنصرية مقيتة في بلد مسلم!، إنّه العجب بحقّ!، ألم يكن الإسلام واضحًا صارمًا في هذا الموضوع؟!، فأين المسلمون من دينهم؟!، يقول الحقّ جلّت حكمته: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، فاختلاف الشّعوب والقبائل مقصده التّعارف المؤدّي إلى التّعاون لا التّعالي المؤدّي إلى التّعارك!. وقيمة الإنسان تقواه وعمله لا غير، قال صلّى الله عليه وسلّم: «ومَن بَطَّأَ به عملُه لم يُسرعْ به نَسبُه” رواه مسلم. وهذه حقيقة عقدية عاشها المسلمون حقيقة واقعية، أوّلُ ذلك أنّ أبا لهب عمَّ سيّدِنا رسول الله عليه السّلام تبّ وهلك وهو النّسيب الحسيب، وسلمان الفارسي رضي الله عنه، أصله عجمي بعيد النّسب والعِرق، وقد كان قبيل إسلامه عبدًا ليهوديّ في المدينة المنوّرة صار من آل البيت لإيمانه الصّادق وعمله الصّالح.إنّ القرآن الكريم يؤكّد على أنّ التّنوّع والتّعدّد في البشر آية من الآيات الدّالة على عظمة الله تبارك وتعالى وعظمة حكمته: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالَمِينَ}، فاختلاف ألسنتكم معناه اختلاف لغاتكم ولهجاتكم. واختلاف ألوانكم معناه هذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أصفر، وهذا أشقر.. مع أنّ الجميع من آدم وآدم من تراب!.ومن لطيف معاني القراءات أنّ هذه الآية الكريمة قرأ الجمهور نهايتها بالفتح: {لِلْعَالَمِينَ} جمع عالَم، والمعنى: إنّ في ذلك لآيات لجميع الشّعوب والقبائل في كلّ العالم. وقرأ حفص: {لِلْعَالِمِينَ} جمع عالِم، والمعنى: لأولي العلم والفهم من النّاس. وحقّا أثبتت كلّ الدّراسات العلمية حول السّلالات البشرية من خلال تحليل الحمض النّووي والفحص الجيني أنّه لا يوجد شعب يتمتّع بصفاء ونقاء كما يعتقد السّذج من النّاس بسبب الهجرات القسرية الطوعية للبشر تاريخيًّا، والتّمازج والتّزاوج بين النّاس واقعيًّا! ومع ذلك مازال يوجد بيننا الكثير من الحمقى يسلّمون عقولهم لتجّار القضايا، ويعادون النّاس ويقاتلونهم ويستكبرون عليهم تحت راية العِرق والعنصرية!إنّ النّزعات العِرقية والدّعاوى العنصرية تشكّل خطرًا على المجتمع إذ تهيئ بيئةً مساعدة لنشوب الفتن، والانزياح نحو العنف، وضرب الاستقرار، وتوهين الرّوابط الاجتماعية، كما تفتح الباب أمام الأخطار الخارجية من تدخّل خارجي سافر، أو تآمر سرّي، أو مشروع تقسيم أو هيمنة دول الاستكبار بتطبيق قاعدتهم المعروفة: فرّق تسُد!. وكلّ من آمن بنزعة عِرقية واعتقد دعوى عنصرية فهو آيل لأن يكون عميلاً أو معمولاً به في خطط أعداء أمّته!. والأولى خيانة والثانية غباء!، وهو في كلّ الأحوال مُستغْفَلٌ مُستَحْمَق، وقبل ذلك مخالفٌ لدين الحقّ الّذي قال كلمة الحقّ في هذا الموضوع، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ اللّهَ عزّ وجلّ قد أَذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ [أي الكبر والفخر] الجاهليّةِ وفخرَها بالآباء، مؤمنٌ تَقيٌّ وفاجرٌ شقيٌّ، أنتم بَنُو آدمَ، وآدمُ مِن ترابٍ؛ لَيَدَعَنَّ رجالٌ فَخرَهُم بأقوامٍ إنّما هم فَحْمٌ مِن فحمِ جهنّمَ أو ليكونُنَّ أَهونَ على الله من الجِعْلاَنِ [جمع الجُعل، وهو دويبة سوداء كالخنفساء تدير الفضلات البشرية بأنفها] التّي تَدْفَعُ بأنفها النَّتْنَ”.*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات