+ -

 في عصر انتشار تكنولوجيا المعلومات أصبحنا أكثر عرضة للوقوع ضحايا للجرائم الإلكترونية، فانتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة يعدّ سلاحا ذا حدين، يمكن استخدامها من أجل تسهيل الاتصالات ومن أجل تقريب المسافات بين الدول والحضارات المختلفة، ولكن يمكن أيضا استخدامها في التسبّب بأضرار جسيمة لأشخاص بعينهم أو مؤسسات كاملة من أجل خدمة أهداف وغايات مادية شخصية.الجريمة الإلكترونية هي نشاط إجرامي يستهدف أو يستخدم جهاز كمبيوتر أو شبكة كمبيوتر أو جهازًا متصلًا بالشبكة، وهي كلّ فعل غير مشروع يقع على المواقع بقصد تعطيلها أو تشويهها أو تعديلها أو الدخول غير المشروع لمواضع غير مصرّح بالدخول إليها واقتحام الخصوصية وانتهاك الملكية وانتحال الشخصية والابتزاز والتّشهير ونشر الأخبار الزائفة، وغير ذلك من الأفعال المرتكبة عن طريق الشبكة العنكبوتية. والجريمة الإلكترونية هي فعل يتسبّب بضرر جسيم للأفراد أو الجماعات والمؤسسات، بهدف ابتزاز الضحية وتشويه سمعتها من أجل تحقيق مكاسب مادية أو خدمة أهداف سياسية باستخدام الحاسوب ووسائل الاتصال الحديثة، مثل شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة..وﻣﺮﺗﻜﺐ مرتكب الجريمة الإلكترونية في الغالب شخص يتميّز بالذّكاء والدّهاء وذو مهارات تقنية عالية ودراية بخبايا وأساليب الاستخدام الدقيقة لتقنيات الحاسب الآلي، في حين أنّ مرتكب الجريمة التقليدية في الغالب شخص أمي متوسط الثقافة والتعليم.وظاهرة الجرائم الإلكترونية ذات طابع دولي عابرة للقارات، ﺑﺎﺗﺖ ﺗﺘّﺨﺬ أنماطًا جديدة وضربًا من ضروب الذّكاء الإجرامي، وهذا بلا شك يمثّل تحديًا جديًا وجديدًا في الوقت الحاضر على جميع دول العالم دون استثناء.وتؤثر الجرائم الإلكترونية الخاصة باختراق الشبكات والحسابات والأنظمة بشكل سلبي على حالة الاقتصاد في البلاد، كما تتسبّب في العديد من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية والأمنية، وتتسبّب أيضًا في مشاكل تتعلّق بتهديد الأمن القومي للبلاد إذا ما لم يتمّ السيطرة عليهم ومكافحاتهم بكلّ جدارة، وتزداد نسبة الجرائم الإلكترونية والجرائم المعلوماتية حول العالم يومًا بعد يوم ممّا يجعلنا جميعًا في خطر محدق بسبب الانتهاكات واختراق الأنظمة والحسابات. وتتسبب كذلك بخسائر كبيرة للمؤسسات والشركات المتمثلة في الخسائر المادية والخسائر في النظم، بحيث يقوم المجرم باختراق أنظمة الشبكات الخاصة بالمؤسسات والشركات والحصول على معلومات قيّمة وخاصة بأنظمة الشركات، ومن ثمّ يقوم باستخدام المعلومات من أجل خدمة مصالحه الشخصية والّتي تتمثل في سرقة الأموال وتدمير أنظمة الشركة الداعمة في عملية الإدارة ممّا يسبّب خسائر جسيمة للشركة أو المؤسسة.من المسلّم به أنّ الشّريعة الإسلامية شريعة عامة لكلّ زمان ومكان، وأنّ النّاس مختلفون في ضبط نفوسهم، فلابدّ من وجود عقاب رادع يضبط أصحاب النّفوس المريضة من الوقوع في الجرائم، وحتّى يسلم المجتمع من الفساد ظاهرًا وباطنًا، ومن أجل ذلك حاربت الشّريعة الإسلامية الجرائم بشتى أنواعها وصورها لأنّ الإنسان يجب عليه أن يعيش من طريق شريف وأن يحيَا على ثمرات كفاحه وجهده الخاص، فالشّريعة الإسلامية تكره الجريمة وتتوعّد عليها بالنّكال في الدّنيا والآخرة.ودور الشّريعة في الجانب الوقائي تجاه الجريمة لا يقتصر على وضع العقاب الرادع للجاني فحسب بل تتّخذ كلّ التّدابير والإجراءات الّتي من شأنها الحيلولة دون الوقوع في الجريمة، فالتربية الإسلامية المستمرّة بالحكمة والموعظة الحسنة ثمّ بالتّوعية المستمرّة بالجريمة وأخطارها من كافة الجهات المعيشية، وأيضًا سدّ الأبواب والمنافذ الّتي تؤدّي إلى اقتراف الجريمة كلّها وسائل وقائية تقلّل من الوقوع في مثل هذه الجرائم، خاصة مع قلّة الوعي ورفقاء السّوء.والشّريعة الإسلامية كفلت حفظ الحقوق الشّخصية للإنسان وحرّمت الاعتداء عليها بغير حقّ، وهؤلاء الّذين يعتدون على بيانات الآخرين ومعلوماتهم عبر اختراق رسائلهم البريدية الإلكترونية آثمون لمخالفة أمر الشّارع الحكيم ومستحقّون للعقاب التعزيري الرّادع لهم، ولا بدّ من إشاعة هذا الحكم بين النّاس وتوعية المتعاملين بشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) وبخطورة انتهاك خصوصية الآخرين وحكم ذلك في الشّريعة الإسلامية، وأنّ هذا الأمر ممّا استقرّت الشّريعة على تحريمه والنّهي عنه، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسُّنّة على حفظ حقوق الآخرين وعدم انتهاكها.ونهت الشّريعة الإسلامية عن الاطلاع على أسرار النّاس وهتك حرماتهم، ففي الحديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “إنّك إن اتّبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم”، واختراق البريد الإلكتروني مثلًا هو خرق لخصوصية الآخرين وهتك لحرماتهم وتجسّس على معلوماتهم وبياناتهم الّتي لا يرغبون أن يطّلع عليها غيرهم.إنّ جرائم الحاسب الآلي والإنترنت يمكن أن يُنظر فيها في الشّريعة الإسلامية من خلال جريمة السّرقة أو جريمة الحرابة. وأنّ الجريمة الإلكترونية في غاية الخطورة نظرًا لطبيعتها الدولية ولعدم اتفاق المجتمع الدولي على تعريف أو مفهوم موحّد لها الأمر الّذي يحتّم زيادة مستوى التعاون الدولي لمواجهة هذه الجرائم المستحدثة لاسيما وأنّ عالم الكمبيوتر والإنترنت عالم مستحدث يحتاج إلى نظام مستحدث متكامل ليضبطه ويستوعب تطوّره المتلاحق، ممّا يستلزم إعادة النّظر في الكثير من التّشريعات العربية، والعمل على سدّ جميع الثّغرات التّشريعية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات