قولوا لبناتكم وأبنائكم: “احشموا شوية!!”

+ -

 يذكر الأستاذ عبد الوهاب المُسيّري رحمه الله موقفًا طريفًا حصل له، في كلية البنات، حيث يقول: إنّه حينما بدأ التّدريس في كلية البنات في إحدى الجامعات المصرية، وحين ذهب أوّل مرّة لإلقاء أوّل محاضرة له، رجع من باب القاعة بمجرد رؤيته لجموع الطّالبات، حيث ظنّ من لباسهنّ أنّه قد أخطأ في القاعة وتوجّه لقاعة الحفلات بدلًا عن قاعة المحاضرات! وسعت خلفه إحداهنّ لتردّه للقاعة وتؤكّد له أنّها قاعة الدّراسة وليست قاعة الحفلات!هذا الموقف هو في الحقيقة متكرّر في كلّ جامعاتنا وفي جوانب كثيرة من حياتنا، حيث يرتدي أبناؤنا وبناتنا لباسًا لا يراعي النّظام العام، ولا الذّوق العام، ولا يراعي احترام المؤسسات التعليمية والمجتمعية، بَلْهَ أن يراعي المروءة والحياء وأحكام الإسلام.وهو أيضًا معبّر عن التّيه الّذي وقع فيه بناتنا خاصة وأبناؤنا كذلك في زيّهم ولباسهم!، حيث فسدت أذواقهم لدرجة عجيبة، بل ما عادت لهم أذواق، وإنّما يلبسون ما تدفعه المصانع الرّأسمالية النّمطية وتغرق به الأسواق!، ولو عادت هذه المصانع لإنتاج موضة السّبعينات أو غيرها للبسوها دون تفكير ولا تمهّل. وإنّما يلبسون ما تغريهم به دُور الموضة وما يرتديه النّجوم ذكرانًا وإناثًا، ولو بلغ الغاية في الغرابة أو الابتذال أو العُري أو الفحش...! ومع ذلك يظنّ بناتنا وأبناؤنا المساكين أنّهم أحرار يلبسون ما يشاؤون!!إنّ اللّباس هو شيء ظاهريّ، ولكنّه يعبّر عن معانٍ جوهرية، من قيم وأخلاق، هذا ما لا يجادل فيه عاقل. وزيادة على ذلك فالأصل في المسلم هو الخضوع لشرع الله تعالى في الصغير والكبير من الأمور، خاصة أنّ أحكام الإسلام كلّها بيّنة واضحة، معقولة الحكمة، تقبلها العقول السليمة والفِطر القويمة، والله عزّ شأنه أمرنا بالسّتر والتّجمّل باللّباس، وإنّما يُغرينا بالعُري الشّيطان الرّجيم، ووكلاؤها من شياطين الإنس: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون}، وكلّ واحد حرّ يختار أيّ أمر يطيع، أمر الله تعالى بالسّتر، أو أمر الأبالسة بالتّعري؟!إنّني أعجب كما يعجب العقلاء حين نرى بعض بناتنا في شوارعنا يرتدين ثيابًا لو ارتدينها داخل بيوتهنّ أمام محارمهنّ لكان أمرًا عجيبًا (وعيبًا كبيرًا)! وحين نرى بعض أبنائنا في شوارعنا يرتدون ثيابًا لو ارتدوها داخل بيوتهم لكان أمرًا عجيبًا (وعيبًا كبيرًا)! والأعجب أنّنا رضينا بالتّطبيع مع هذا التّفلّت والانحلال اللّبسيّ، وصار أمرًا عاديًّا عند كثيرين! وليس هو بالأمر العادي ولا الطّبيعيّ، ولو دفنّا رؤوسنا في الرّمال والوحل! ويبقى السّؤال الأعجب: هل ترى الأمّهات بناتهنّ وهنّ خارجات على تلك الحال؟! وهل ترضى الأمهات لبناتهنّ ذلك الزّيّ؟! وهل يرى الآباء بناتهنّ وهنّ خارجات على تلك الحال؟! وهل يرى الآباء والأمّهات أبناءهم بذلك الزّيّ...؟! ألَا يوجد في الأسر، وفي مجتمعنا مَن يقول: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيد}، أليس منكم نساء راشدات؟!إنّ اللّباس والزّيّ ما هو إلّا مظهر يعبّر عن ضياع بناتنا وأبنائنا، ضياعِ قيمهم ومبادئهم وأخلاقهم ودينهم!! يعبّر عن تغرّبهم في تفكيرهم وسلوكهم وقيمهم ومبادئهم! واللّباس الفاضح هو القمّة الّتي تتربّع على جبلِ تفلّتٍ قِيميٍّ أكبر وأخطر! ولا أظنّ عاقلًا يرضى بمستوى سلوك وأخلاق الكثير من أبنائنا وبناتنا، فقد غاب الحياء غيابًا كبيرًا عن تصرّفاتهم وسلوكهم، وعن كلامهم وحديثهم، ولقد شهدتُ - كما شهد غيري - حوادث غريبة حيث يفعل بعض البنات وبعض الشّباب في مجمع من النّاس تصرّفات يستحي الواحد أن يفعلها منفردًا! وحيث نسمع الكلام الفاحش والبذيء من بنات كما نسمعه من شباب، وبصوت مرتفع مسموع! وزحف هذا البلاء على المتوسطات والثّانويات والجامعات! والأسوأ أنّ هذا يحدث أمام استقالة الآباء والأمّهات، واستقالة المعلّمين والأساتذة، واستقالة وسائل الإعلام، واستقالة المجتمع كلّه.. من القيام بواجبهم التّربوي، وكذا استقالة مؤسسات الدّولة وفي مقدمتها مصالح الأمن من فرض آداب النّظام العام ومحاربة الآفات الاجتماعية!لقد غاب عن معجمنا الأسري والمجتمعي كلمات ذات دلالة: (لَحْيَا.. الْحَشمة.. العيب.. لَقْدَر..)، وما ذلك إلّا لغياب معانيها من حياتنا! ولا شكّ أنّ تيار العولمة والأمركة الجارف، وتطوّر وسائل التّواصل وتحوّلها إلى أكثر فردية ممّا سمح بوصول مضامينها إلى أكبر عدد من أبنائنا وبناتنا، والإنتاج الهائل للسينما العالمية الّذي يترجم والّذي لا يترجم وما يحويه من نسب عالية من الخلاعة والميوعة.. كلّ ذلك له تأثيره المباشر في هذا الانحدار الأخلاقي الّذي وصلنا إليه، ولكن لا ننسى التّنبيه على الجريمة والخيانة الّتي يقترفها بعض خونة الأقلام عندنا ممّن يسمّون كتّابًا وقُصّاصًا وروائيين وإعلاميين ويتوهّمون أنفسهم تنويريين، الّذين لا هَمَّ لهم إلّا الكلام على (الطّابوهات) وهتكها، بل صارت الجوائز الأدبية كلّها لا تعطى إلّا لمَن تجرّأ على حدود الله تعالى وهُويتنا، وصار من مصطلحات النّقد الأدبي والفنّي ذات القيمة العالية جدًّا عند هؤلاء الخونة: تجاوز الطّابوهات / التّمرّد على الطّابوهات.. وما هو إلّا أدب القاذورات والانحلال الأخلاقيّ...إنّ من الواجب علينا أن نتوقّف لحظة؛ لنقول بصوت مرتفع جدًّا لبناتنا وأبنائنا: (احشموا شوية!)، ونقول بصوت مرتفع لهم ولمَن يشجّعهم على ذلك: (خافوا ربّي.. واحشموا على عرضكم!). وإلّا فإنّ الطّريق الّذي نمشي فيه سيوصلنا إلى هاوية سحيقة!، من أراد أن يعرف سوءَها فلينظر إلى الغرب، فرنسا مثلًا، ولينظر إلى إحصائيات: التّحرّش، الاغتصاب، الطّلاق، العنف ضدّ المرأة، الشّذوذ، الأولاد غير معروفي النّسب، (الأمهات) دون سن 18 سنة... والقائمة طويلة. لينظروا فقط وليتدبّروا! ثمّ فليعلموا أنّ ذلك المستنقع الأخلاقيّ بدأ بالتّفلّت من الأخلاق والحياء والحِشمة والعِفّة واللّباس السّاتر!!إنّ ديننا هو دين الحياء، وإنّ الحياء هو خُلُق الإسلام، عن أنس رضي الله عنه، أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: “إنّ لكلّ دين خُلقًا، وخلقُ الإسلام الحياء”، فهل نرضى أن يفقد بناتنا وأبناؤنا خُلُق الإسلام؟! وعنه أيضًا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “ما كان الحياءُ في شيء إلّا زانه، ولا كان الفحش في شيء إلّا شانه”، فهل نرضى لبناتنا وأبنائنا ما يشينهم أم نحرص على ما يزيّنهم؟! وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “الحياء لا يأتي إلّا بخير”، فهل نريد لبناتنا وأبنائنا الخير أم ماذا؟! وهل لنا الوعيّ والإرادة الّتي تدفعنا لنقول لهنّ ولهم: احشموا شوية!*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات