+ -

معظمنا يبغي استغلال الإجازة السنوية في التّنزّه والاصطياف والتّمتّع بالمناطق السياحية الجميلة الّتي تزخر بها بلادنا الواسعة، لكن البعض ينسى ضرورة الالتزام بالعادات الاجتماعية والأخلاق الإسلامية في ذلك.. فكان من الضّروري تنبيه جمهور المصطافين بذلك حفاظًا على الحرمات والآداب العامة.إنّ السّفر والتّرحال والسّياحة أمر ذو بال في واقع كلّ امرئ حيّ، فالإنسان مجبول على حبّ التّنقّل والضّرب في الأرض، والنّاس لهم في السّفر والإجازة والسّياحة مقاصد شتى ومآرب متنوّعة.لقد أخذت السّياحة في عصرنا الحاضر منحى آخر ومفهومًا مغايرًا؛ فالسّياحة في عرف كثير من النّاس اليوم عبارة على: التّرويح عن النّفس، الاصطياف، الخروج من القيود الشّرعية والعرفية، الانفتاح العالمي في التّمدن والتّرفيه، التّعرّف على البلدان والأمصار والآثار، إعطاء النّفس خلال الإجازة كلّ ما تشتهيه من منظور أو مسموع أو مطعوم ولو كان من الحرام مع كلّ أسف.ولئن كانت السياحة عند بعض الأقوام سفورًا ولهوًا ومُتعة جسدية فهي في الإسلام عبادةٌ يؤجر المرء عليها؛ ولها في القرآن والسُّنّة الثّناء الجميل والذِّكر النّبيل، فلقد وردت السّياحة في كتاب الله وسُنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم تحمل معاني سامية، وارتبط وصف السّائحين بنماذج عالية من البشر، يقول تعالى في وصفِ الّذين اشترى اللهُ منهم أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة: {التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ}.أيُّها المصطاف الكريم! إنّك في ترحالك إلى أماكن النّزهة والاصطياف تحمل رسالة ربانية خالدة، إنّها رسالتك الّتي شرَّفك الله بها؛ رسالة الإيمان والتّوحيد والطّهر والعفاف، رسالة لا تغيب عنك أبدًا.فمن الدّروس العظيمة الّتي تستفيدها وأنت تجوب بسيارتك المناطق السّياحية الجميلة، أن تتزوّد من التّوحيد في كلّ ما ترى وتشاهد؛ قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}؛ عليك أيّها المصطاف أن تقرأ أسماء الله عزّ وجلّ في سمائه وأرضه، وإبداعه وتصويره.الكون كتابٌ مفتوح يُقرأ بكلِّ لغة، ويُدرك بكلِّ وسيلة، يُطالعه ساكن الخيمة والكوخ، كما يطالعه ساكن العمارة والقصر، كلٌّ يجد فيه زادًا موصلًا إلى الحقّ، كتاب مفتوح في كلِّ زمان ومكان؛ تبصرةً لكلِّ عبد منيب، يأخذك كتابُ الله في صولات وجولات، ترتاد آفاقَ السماء صُعدًا في الجوّ، تنظر في مدارات النّجوم والأفلاك، ويعود بك إلى نبات الأرض، وعالَم الأحياء عند زهرات الحقول، وينابيع الأنهار، يفتح بصرَك وبصيرتَك إلى خَلق بلغ الغاية في إحكامٍ وإتقان ما له مثيل؛ {صُنْع اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}.فمن آداب السّياحة والتّنزّه في الإسلام: إخلاص النّية في ترويح القلب وإراحة الجسم للتّقوّي على طاعة الله، انْوِ برحلتك وتنزُّهُك رِضَي الله لكي تُؤجر عليها. وأن تقدّر نعم الله، فلا تصرفها في غير ما تصرف له، ولا تسرف في الإنفاق، قال سبحانه وتعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}. والتّحلّي بالأخلاق الحسنة كالصّدق والأمانة والصّبر والتّواضع...ومن هذه الآداب المحافظة على نظافة المكان، فكلّنا يرغب الجلوس في الأماكن النّظيفة، ويكره الأماكن المتّسخة، وتنظيفُ المكان قبل مغادرته من الأخلاق العالية، عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ فَنَظِّفُوا بيوتَكم ونَظِّفُوا سَاحَاتِكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ تَجْمَعُ الْأَكْنَافَ فِي دُورِهَا»، ويلزم المحافظة على معالم البلد السياحية لما فيها من العلم والمعرفة.فيا مَن تهوى السّياحة والسّفر والتّرحال، تذكّر أنّك قدوة لأبنائك وبناتك ومجتمعك، فكن قدوة خير وصلاح ومعروف. فلا تنسى حينما تدعوك المصلحة للسّفر إلى بلاد العالم المختلفة أنّك سفير فوق العادة تمثّل دينك وأخلاق مجتمعك، فأنت تحمل مسؤولية عظيمة وهي أمانة تمثيل الإسلام، فبعض النّاس كان سببًا في إعراض ونكسة أقوام عن هذا الدّين، شعر أم لم يشعر، فاحمل دينك بقوّة وأظهره بشجاعة {يَا يَحْيَ خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، ويقول تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ}.إنّ من حقوق الإنسان الّتي أجمع عليها عقلاء العالم قاطبة: احترام مشاعر الآخرين، وتقدير مكانة المسلمين، والاعتراف بحقوق المؤمنين، فلا يضايق المسلم بكلمة نابية؛ بل لا يضايق غير المسلم، فكيف بالمسلم؟!. ولا بتصرّف أهوج، ولا بأذىً متعمّد، قال سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}. وإنّ من احترام مشاعر الآخرين: صون أعراضهم عن النّظر الحرام، وعدم الإزعاج بالتّصرّف الأهوج من مضايقة في أماكن النّزول، أو رفع صوت، أو منعهم من مرفق عام أو منفعة مباحة مشتركة ليست خاصة بأحد.إنّ كلامنا عن السّياحة والسّفر والاصطياف لا يعني أن يكون المسلم نشازًا مع أهله لا يرفّههم ولا يدخل السّعادة على قلوبهم! فهناك مجال للتّرفيه والرّاحة والتّنزّه ولكن بالسُّبل المباحة المأمونة الّتي تعود بالنّفع على الفرد والمجتمع والوطن.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات