+ -

إن توقير نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتعظيمه يعني عبادة الله عز وجل وقُربَة إليه سبحانه وتعالى. والعبادة التي أرادها الله تعالى ويرضاها من العبد هي ما ابتُغِي به وجهه تعالى وكان على الصفة التي شرعها المولى الكريم في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.اهتم علماء الإسلام واعتنوا بجمع خصائص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإبراز فضائله وحسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم، فلم يَخْلُ كتاب من كتب السنة من ذِكر مآثره، كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن سيرته وشمائله عليه الصلاة والسلام، ما يدعو كل مسلم أن يعظمه ويوقره، قال الله تعالى: {إِنا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزرُوهُ وَتُوَقرُوهُ وَتُسَبحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفتح:8-9.لقد عظم الله عز وجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث أقسم سبحانه بحياته في قوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إنهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} الحجر:72، كما أثنى عليه فقال: {وإنكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم:4. وقال: {ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح:4، فلا يُذكر بَشَر في الدنيا ويُثنى عليه كما يُذكر النبي صلى الله عليه وسلم ويثنى عليه.ولما نال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين شرف لقاء وصحبة هذا النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، كان لهم النصيب الأوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم، ولم ولن يدركهم أحد من بعدهم. وأجمل مَن وصف شأنهم في ذلك سيدنا عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه حين فاوض النبي صلى الله عليه وسلم في صُلح الحُديبية، فلما رجع إلى قريش قال: “أي قوم! والله لقد وفدتُ على الملوك ووفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إنْ رأيت ملكًا قط يُعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلَكَ بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيمًا له..” رواه البخاري.فتعظيم وتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة، ومن أجل وأعظم صور توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم الاقتداء به واتباعه. والثناء والصلاة عليه، والتأدب عند ذِكره صلى الله عليه وسلم، بأن لا يذكر باسمه مجردا، بل يوصف بالنبوة أو الرسالة، والإكثار من ذِكره، والشوق لرؤيته، وتعداد فضائله وخصائصه، ومعجزاته ودلائل نبوتِه، وتعريف الناس بسُنته وتعليمهم إياها، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه، وذِكر صفاته وأخلاقه وخلاله، وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته صلى الله عليه وسلم.ويتحقق تعظيم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقلب بتقديم محبته على النفس والوالد والولد والناس أجمعين؛ إذ لا يتم الإيمان إلا بذلك، ثم إنه لا توقير ولا تعظيم بلا محبة، وإنما يزرع هذه المحبة معرفته لقدره ومحاسنه صلى الله عليه وسلم.وإذا استقرت تلك المحبة الصادقة في القلب كان لها لوازم هي في حقيقتها مظاهر للتعظيم ودلائل عليه، ومن صور ذلك التعظيم الثناء عليه صلى الله عليه وسلم بما هو أهله، وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه سبحانه وتعالى، وما أثنى هو على نفسه به، وأفضل ذلك: الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم لأمر الله عز وجل وتوكيده: {إن اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلونَ عَلَى النبِي يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا صَلوا عَلَيْهِ وسَلمُوا تَسْلِيمًا} الأحزاب:56.ومتَى كان تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقرا في القلب، فإن آثار ذلك ستظهر على الجوارح واللسان حتما لا محالة، حيث يجري اللسان بمدحه والثناء عليه وذِكر محاسنه، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبِعة لشرعه وأوامره، ومؤدية لمَا لَه من الحق والتكريم. ومن ثم فأسعد الناس حظا بتعظيمه وأقربهم إلى الشرب من حوضه هم مَن أحيوا سُنته واتبعوا شريعته وهديه صلى الله عليه وسلم.*إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات