+ -

 مهما تحدث النقاد في موضوع تدوين السيرة النبوية، فإنه لا يمكن أن ننكر تلك الأعمال التي حاول أصحابها تقديم صورة دقيقة عن هديه وأخلاقه وعمله وتصرفاته في أهله وجواره، ومع صحابته وعشيرته وسياسة أمته في الحرب وفي السلم وفي جميع مناحي الحياة، ونذكر هنا العمل الكبير الجليل الذي قام به العالم الجليل شبلي النعماني وتلميذه محمد سليمان الندوي بالهند.ويتمثل هذا العمل في كتابه الشهير بين كل المسلمين الناطقين باللغة الأردية ألا وهو “سيرة النبي صلّى الله عليه وسلم” الذي ألفه شبلي النعماني، ولكن الموت أدركه والكتاب لا يزال مسودة، فقبل وفاته أوصى تلميذه محمد سليمان الندوي بإكماله وإخراجه للناس، وكان قد طلب منه أن يدع كل أعماله ويتفرغ للكتاب حتى يكمله، والكتاب باللغة الأردية، ولم يترجم منه إلى العربية إلا بعض المقالات والبحوث منها ما قام به جماعة من العلماء الأفاضل في مصر ونشر في مركز الترجمة بمصر، ومقدمته الموسومة بـ: “مقدمة في فن السيرة”، وقد قام بترجمتها الدكتور محمد علي غوري، وقام مركز جمعة الماجد بطباعتها.وقد جاء الكتاب في خمسة أجزاء، فيه علم غزير، واستدراك كثير، وتحقيق وتدقيق للعديد من الوقائع والأحداث، وتأريخ للتشريع في عهده صلّى الله عليه وسلم، إلى جانب فقه جم ومعاني سامية، وقد قسم المؤلف كتابه إلى خمسة أجزاء، وهي كما لخصها بنفسه:الجزء الأول: ويتكون من بابين، الباب الأول يشتمل على نبذة مختصرة عن أوضاع العرب قبل الإسلام، وتاريخ الكعبة، وحياة الرسول صلّى الله عليه وسلم منذ ولادته وحتى وفاته، وما جرى فيها من أحداث وغزوات. والباب الثاني يشتمل على عادات الرسول صلّى الله عليه وسلم وأخلاقه، وعلى الحديث عن أولاده وأزواجه الطاهرات.الجزء الثاني: خاص بالنبوة ووظيفة الأنبياء، وهي تعليم الناس العقائد وتبليغهم الأوامر والنواهي، وتزكيتهم وتطهيرهم؛ لذلك خصصت هذا الجزء للنبوة ووظائف الأنبياء. وبالإضافة إلى ما سبق يحتوي هذا الجزء على أركان الإسلام الخمسة، وكيف كانت بداية الأوامر والنواهي، وما أصابها من نسخ وتغير مع تغير الزمان والمكان، والمصالح المرجوة من ورائها والحكمة منها، ومقارنتها مع الأوامر والنواهي في الأديان الأخرى. واستعرضت في هذا الجزء أيضًا - وبالتفصيل - عقائد العرب وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم قبل الإسلام، وكيف أصبحت بعد الإسلام، والأصول والقواعد التي وضعها الإسلام لإصلاح البشرية وهدايتها، وأسباب صلاحها لكل زمان ومكان.الجزء الثالث: عن المراحل التي مرّ بها تدوين القرآن الكريم، ووجوه إعجازه، وحقائقه وأسراره.الجزء الرابع: فيه حديث عن المعجزات. فقد درجت كتب السيرة الأولى على تخصيص باب للمعجزات، والحاجة اليوم ماسة إلى الكتابة عنها بشكل مستقل؛ حيث إن الحديث عن المعجزات لم يعد قاصرًا عليها، فقد جدت الحاجة إلى الحديث عن حقيقتها وإمكانية حدوثها. وأما المعجزات التي نعلم زمن وقوعها، مثل معجزة المعراج وتكثير الطعام، فقد تحدثت عنها في موضعها حسب تسلسل الأحداث. والجدير بالذكر هنا أن البحث المتعلق بالمعجزات في منظور الفلسفة الجديدة فقد كتبه صديقه وتلميذه الأستاذ عبد الباري الندوي في نحو ثمانين صفحة بطلب من المؤلف.الجزء الخامس: عن المؤلفات الغربية؛ أي ما كتب عن النبي صلّى الله عليه وسلم والدين الإسلامي في أوروبا، وعن مصادرهم التي استقوا منها معلوماتهم، وعن أسباب خطئهم في فهم الأحداث التاريخية، وعن قضايا الدين الإسلامي التي أخطأوا فيها، وعن الشبهات التي أثاروها حول رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسلوكه، والرد عليها.أما الجزء الذي يتحدث عن السياسة الإسلامية فلم يكمله، وما ذكره العلامة شبلي النعماني في مقدمته من أنه سيكتب جزءا خاصا في نقد آراء المستشرقين فلم يتم.وفي النهاية نقول إن الكتاب عظيم في بابه، وقد ذكرت أعلاه أن مقدمته مترجمة للعربية، أما الكتاب نفسه فقد طلبنا من بعض الباحثين الباكستانيين ممن عملوا على ترجمة بعض أبحاثه إلى العربية أن يقوموا باستكمال ترجمة الكتاب كله نظرًا لأهميته البالغة للمسلمين، وقد أبدوا موافقتهم على ذلك، وكان هذا الأمر قبل أربع سنوات تقريبا. وإننا نأمل أن ينجز هذا العمل في القادم القريب إن شاء الله. وإنني لأدعو الله مخلصا أن يكون صدور النسخة العربية من أرض الشهداء.. والله الموفق لما فيه الخير والصواب.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات