+ -

إن قوة المسلمين وعزتهم، ووجودهم وهيبتهم، يكمن في اجتماعهم وترابطهم، وقيامهم بواجباتهم، فقد أراد الله تعالى لأمة الإسلام أن تكون أمة واحدة، وأن يكون مجتمعها مترابطًا، متحابا، متراحما، متواصلا، متكافلا، متناصحا، متناصرا، يجتمع على طاعة الله تعالى ويتفرق على ذلك. فأمرهم الله تعالى بالتمسك بكتابه والاجتماع عليه، ونهاهم عن التفرق والاختلاف فيه، وبيّن بأن عاقبة ذلك الفشل والضعف والخذلان، فقال لهم: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا}، وقال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.امتن الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن جمع له قلوب أصحابه بعد تفرق وعداء، وزرع فيها التراحم والإيثار والإخاء، فقال تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}، وقال: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}، وقال: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.كما امتن تعالى على المؤمنين بنعمة الأخوة التي جمعتهم بعد عداوة وبغضاء، وجعل هذه الأخوة رابطا قويا فيما بينهم، تفوق بقوتها أخوة النسب والأرحام، فقال تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}، وقال: {إنما المؤمنون إخوة}، وهذه الأخوة القوية تدفعهم للتناصر والتواصل والتناصح فيما بينهم، فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقومون بما أوجبه الله عليهم، قال الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله}، بل ويدعو بعضهم لبعض بالمغفرة والرضوان، وإن تباعدت الأزمان والأقطار، بقلوب خلت من الغل والأحقاد، وامتلأت بالمحبة والإيثار، قال تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}.وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بات من الواجب والضروري تحقيق مبدأ التضامن الإسلامي؛ وهو ما يفرض على بلادنا العربية والإسلامية تعزيز التعاون والتنسيق فيما بينها لمواجهة هذه الأزمات الإنسانية، إعمالا لتعاليم الدين الإسلامي ومبدأ التضامن الدولي.لقد حرص ديننا الإسلامي على إقامة مجتمع متماسك مترابط ومتحاب، فوضع بعض القيم في السلوك الاجتماعي لتحقيق هذا الغرض. ومن هذه القيم قيمة التكافل (التضامن) بين أفراد المجتمع، حيث جعل من أفراد المجتمع وحدة قوية متماسكة، سداها المحبة، ولحمتها الصالح العام. قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، وقال عز وجل: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}. ومن الأدلة على ذلك في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد. إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نفس كربة من كرب المسلم في الدنيا نفس الله عز وجل عنه كربة من كرب الآخرة ومن ستر عورة مسلم ستر الله عورته في الدنيا والآخرة والله عز وجل في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”..إن تعزيز مفهوم التضامن في المجتمع ونشره كقيمة سلوكية هو مسؤولية المجتمع بمختلف شرائحه، هيئات وجماعات وأفراد، وبمقدار ما يتم تعزيز هذه القيمة، بقدر ما يحقق المجتمع وحدته وتماسكه وقوته لمواجهة هذه الظروف الصعبة.وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى التي أراد أن يبني فيها دولة الإسلام، على التأليف بين قلوب المؤمنين، والمؤاخاة بينهم، فآخى بين المهاجرين والأنصار، وأرسى بين أفراد المجتمع المسلم الحقوق والواجبات التي ينبغي أن يتعاملوا من خلالها، ليكون المجتمع قويا متماسكا تسود فيه الحقوق، وينأى عن أخلاق أفراده التنافر والعقوق، قال صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمنِ كالبنيان يشد بعضه بعضا” وشبّك بين أصابعه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات