+ -

هذه الكلمة صارت دستورًا عند كثير من الناس يرددونها ويكررونها، وقاعدة محكمة يبررون بها كل تقصير في حق الله وكل تعدٍ لحدود الله، وكل معصية صغيرة أو كبيرة.نعم دخول الإيمان القلب أساس من أسس الإيمان والخطوة الأولى في طريقه، ولكنها ليست كل شيء، بل هي جزء مهم وعلى أهميته فهو جزء ليس كلا! وهذا أمر بين في القرآن الكريم، فالله عز وجل لما رد على منافقي الأعراب إدعاءهم الإيمان، قال: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}، لكن لم يتوقف النص القرآني عند هذا الحد بل قال الله عز وجل عقيبه: {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم * إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}، فالإيمان هو طاعة الله ورسوله، كل الطاعة إلى درجة استرخاص المال والأنفس في سبيل الله، ولا يخفى ما في ختم الآيات بقوله تعالى: {أولئك هم الصادقون} من دلالة قوية على أن الصادقين في إيمانهم. الصادقين في قولهم: إنهم مؤمنون. هم من تحققت معاني الإيمان في قلوبهم، وتحققت آثارها في واقع حياتهم، فالإيمان ليس ادعاء يدعى بل حقيقة تعاش. ذلك أن استقرار الإيمان في القلب استقرارا حقيقيا، يحدث في القلب تغيرا جذريا يسري إلى كل جوانح الإنسان وجوارحه، ومن ثم يصبغ قوله وفعله وتفكيره وعواطفه بصبغة الله: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة}.يقول العارفون: إذا دخل النور خرج الزور. ويقصدون إذا دخل نور الإيمان إلى القلب خرج زور العصيان، والقلب ملك والجوارح جنوده، “إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد؛ ألا وهي القلب”، فإذا آمن القلب حقًا آمنت الجوارح صدقًا؛ ولهذا قال الإمام العارف ابن عطاء الله رحمه الله في حكمه: [كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الّذي منه برز]، وكذلك كل فعل يظهر وعليه كساء من القلب الذي منه ظهر. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فأصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد. وما كان في القلب فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه (أي عدم الإيمان) أو ضعفه؛ ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه، وهي تصديق لما في القلب، ودليل عليه، وشاهد له].إن هذا الأمر واضح لا يحتاج إلى كثير بيان، ويكفي المؤمن أن يرجع للقرآن الكريم عند حديثه عن الإيمان والمؤمنين وينظر هل اكتفى بالحديث عن إيمان القلوب أم أكد وأكد على الطاعات الظاهرية قولًا وفعلًا، قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم}، {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمنِ ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}، هذان أنموذجان عن حديث القرآن عن المؤمنين وواضح أنهما يتحدثان عن التزام ظاهري وأفعال يراها الناس، فليحذر المؤمن من اتباع مقولات خاطئة شاعت في غفلة من الناس وجهل، وغرت الكثيرين فبرروا تقصيرهم وعصيانهم من غير مبرر!*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات