المخطوطات في المكتبة الوطنية الإندونيسية.. رصيد تراثي مغمور

+ -

عندما نتحدث عن دولة إندونيسيا، فإننا نتحدث عن أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان الذي يقارب ثلاث مائة مليون نسمة، ونتحدث على نحو 17000 جزيرة، كما نتحدث أيضًا عن عائلات عربية هاجرت من اليمن وغيرها منذ مئات السنين واستقرت بها وأصبحت جزء من نسيجها السكاني، وقد كان من أبناء هذه العائلات العربية علماء كثر، كان لهم الأثر البالغ في الحركة العلمية والثقافية بالبلاد، ودور بارز في حركة التأليف، إلى جانب علماء إندونيسيين.وقد أوجد هذا الزخم العلمي والثقافي وحركة التأليف الواسعة مؤسسات تعليمية ومكتبات زاخرة بالمخطوطات النفيسة، لكن الزائر لإندونيسيا والباحث في تاريخها الإسلامي يجد أن جزيرة جاوى وسومطرا هما الجزيرتان الأكثر حظًا من جهة المكتبات العامة أو الخاصة الزاخرة بالتراث الإسلامي والإندونيسي، والأكثر حضورا في الحركة العلمية والتأليفية بالبلاد على مر تاريخها، فقد كان 70% من السكان يستقرون في هاتين الجزيرتين، إلا أن اللسان الذي كُتِبت به تلك المدونات لم يكن واحدا، ففي جزيرة جاوى كُتِب 90% من التراث الإسلامي باللغة الجاوية وبحروفها ونسبة قليلة منها كتبت باللغة الجاوية لكن بالحرف العربي، أما ما كتب بالعربي لسانا وحرفا فهو في هذه الجزيرة قليل جدا، بل لا أبالغ إن قلت نادرًا، أما في جزيرة سومطرا وبالذات في إقليم ‘أتشاي’ و’بندا أتشاي’، فإن حضور اللغة العربية في المدونات قوي وواضح، حيث إن من 35% إلى 45% من تلك المدونات كتب باللغة العربية لسانا وحرفا، والمخطوطات في هذه الجزيرة أغلبها موجود في البيوت والزوايا الخاصة بعائلات معينة.ولعل أهم مكان للمخطوطات في إندونيسيا هو المكتبة الوطنية بجاكرتا العاصمة الموجودة بجزيرة جاوى، حيث أسست المكتبة في القرن السابع عشر، وكانت تسمى بيت الآثار، ثم انتقلت إلى المبنى الجديد سنة 1989م، ويبلغ عدد الكتب بالمكتبة نحو ثلاثة ملايين كتاب أغلبها باللغات الإندونيسية والهولندية والإنجليزية وقليل منها باللغات الأخرى مثل العربية وغيرها، أما عدد المخطوطات فهو أكثر من 16500 مخطوط، منها عشرة آلاف مخطوط أصلية، ونحو 6000 مخطوط على الميكروفيلم، ونحو 500 مخطوط على الميكروفيش.أما ما كتب من هذه المخطوطات باللغة العربية لسانا وحرفا فعددها 900 مخطوط، أما ما كتب منها بالحرف العربي بغض النظر عن اللغة التي كتب بها فعددها 2000 مخطوط، أما باقي المخطوطات فقد كتبت باللغات المحلية وفي مقدمتها اللغة الجاوية وبخطها المعروف بـ:هَانِيتَشُورُوكُو.وأقدم مخطوط بالمكتبة يعود نسخه إلى القرن التاسع الهجري الموافق للقرن الخامس عشر ميلادي وقد كتب باللغة الجاوية وبخط هَانِيتَشُورُوكُو على ورق لَنْتَرْ؛ وهو نوع من الورق مصنوع من الخشب. أما أقدم مخطوط كتب بالعربية فيعود للقرن الحادي عشر الهجري الموافق للسابع عشر ميلادي وعنوانه: “شرب العاشقين” لمؤلفه حمزة الفَنْسُورِي من علماء بندا أتشي بجزيرة سومطرا. أما أجود مخطوط وأكثرها قيمة موجود بالمكتبة في تقدير الإندونيسيين فهو كتاب: نَقَارَكرْطَاقَامَا، ومعناه بالعربية “بلدة طيبة”، ويتناول سيرة أحد الملوك الذين حكموا في جزيرة جاوى واسمه: ‘حِيَامْ مَرُوكْ’، وقد ألّف هذا الكتاب المؤرخ إِهْبُو بَرَابَتْشَا، وطبع الكتاب في جوبجاكارتا في سنة 2008م.وتوجد بالمكتبة مجموعة من المخطوطات كتبت على الخشب ويسمى بالإندونيسية “كَلِيبْ كَبُو”؛ ومعناه بالعربية ‘جلد الخشب’، وأعتقد أن المقصود به هو القشرة التي تلف جذع الأشجار وغيرها،ويسمى أيضًا ‘خشب عليم’، وعددها 147 مخطوط وكتبت بلغة بَاتَكْ، وهي لغة أهل سومطرا الشمالية. كما توجد هناك مجموعة من المخطوطات كتبت على القصب ويسمى باللغة الإندونيسية بَانْبُو، أما اللغة التي كتبت بها تلك المخطوطات فهي الهَارْبُوكَاقَامَا، وهي لغة أهل سومطرا الجنوبية، وعدد هذه المخطوطات بالمكتبة نحو 88 مخطوطًا، كما توجد بها مجموعة من المخطوطات كتبت على ورق لَنْتَرْ، وهو نوع من الورق مصنوع من الخشب كما سبق بيانه، وعددها 1474 مخطوط كتب أغلبها باللغة البالية نسبة إلى جزيرة بالي التي أغلب سكانها من الهندوس، وهي الديانة الأصلية للإندونيسيين قبل دخول الإسلام إليهم، وبحمد الله وفضله دخلت أندونيسيا في الإسلام وهي الآن أكبر بلد إسلامي وهي الدرع الحامي لماليزيا لأنهما يشتركان في الدين والقومية المالوية.*مدير تحرير مجلة “آفاق الثّقافة والتّراث”

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات