مؤسسة الأصالة تنظم ندوة حول “الفتوى في الجزائر، الواقع والآفاق”

+ -

 نظمت مؤسسة الأصالة للدراسات والاستشارات الإسلامية، أول أمس، ندوة علمية حول موضوع: “الفتوى في الجزائر، الواقع والآفاق”، استضافت فيها ثلة من الأساتذة الجامعيين وأئمة المساجد ممن لهم تكوين علمي عالي المستوى، وخبرة طويلة في مجال الإفتاء، سواء من خلال جهودهم الفردية في الإمامة والإرشاد الديني وتأطير البرامج الإعلامية في القنوات والإذاعات، أو من خلال انخراطهم في هيئات الفتوى والمجامع الفقهية.أكد مدير مؤسسة الأصالة، الدكتور محمد هندو، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة البويرة، في افتتاح الندوة أن هذا النشاط يأتي في إطار الاضطلاع بجزء من المسؤولية الشرعية والوطنية والتعاون مع المؤسسات الرسمية في القيام بواجب الفتوى المؤسسية والجماعية، حيث أنشأت المؤسسة هيئة للاستشارات الشرعية تعقد ندوات دورية للتداول الجماعي فيما يعرض عليها من نوازل وإشكالات فقهية في الواقع الجزائري،  وتقدم فيها دراسات وأجوبة شرعية، تنشرها في موقعها الالكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن هذه الندوة هي الخامسة من نوعها، بعد أربع ندوات سابقة قدمت هيئة الاستشارات من خلالها أزيد من عشرين استشارة فقهية، وأصدرت أربع رسائل وكتيبات علمية، متطلعة مع بداية هذه السنة الجديدة إلى مزيد من الإنتاج العلمي في باب الاستشارات.وقد تداول الأساتذة على ست مداخلات من خلال جلستين نقاشيتين، حيث بيّن الأستاذ عبد الحق حميش، رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الشارقة سابقا، وعضو مجمع فقهاء أمريكا، في مداخلته “الفتوى بين المؤسسية والفردية”، بيّن فيها أهمية الفتوى المؤسسية والمسوغات التي تقتضيها خاصة في زماننا المعاصر وما استجد فيه من ميزات وظروف ومعطيات، مشيرا إلى أن الفتوى المؤسسية تقوم على الخبرة الجماعية المتنوعة، كما تتسم بالمصداقية العلمية، وهي أبعد عن مزاجية الفرد أو سماته الشخصية أو أخطائه التقديرية، مناديًا بضرورة تأسيس الهيئات العلمية الجماعية في الجزائر كالمجمع الفقهي ودار الفتوى ونحوها.من جهته، تطرّق الشيخ سمير قجاور، في مداخلته “مزالق المستفتين” إلى جملة من المزالق والمحاذير التي يقع فيها بعض المفتين، مشيرًا إلى أن الإفتاء مسؤولية دينية ووظيفة دنيوية لا ينبغي أن يضطلع بها إلا المتأهلون، فليس كل أستاذ أو دكتور مفتيا، وليس كل خطيب أو مدرّس أو إمام مفتيا، وحتى مع تأهل المفتي للإفتاء فهو ليس معصوما، والخطأ وارد عليه، والفتوى صناعة علمية وواقعية معقدة، لذلك يلزم التذكير بهذه المحاذير باستمرار، ومن أهمها: الجهل بحال المستفتي والاكتفاء بظاهر السؤال، ومنها الجهل بالواقع وما تؤدي إلى الفتوى من مآلات على مستوى الفرد أو على مستوى الوطن أو الدولة أو الأمة، ومنها عدم الجمع والموازنة بين النصوص والأدلة المتعارضة، ومنها عدم التفريق بين الثوابت والمتغيرات، ومنها الظاهرية في فهم الأدلة وعدم الوقوف على العلل والمقاصد التي ترمي الشريعة إلى تحقيقها، ومنها التشديد وعدم التماس المخارج في المآزق الموقعة في الضيق والحرج... وغيرها من المزالق والمحاذير، التي نبه الشيخ إلى كونها تحتاج إلى تعليم وتكوين ودربة.بدورها، قدّمت الأستاذة عقيلة حسين (وهي وجه علمي وإعلامي بارز ومعروف بكونها من المؤسسين لقناة القرآن الكريم، وصاحبة برامج حوارية وإفتائية رائدة)، في مداخلتها “دور المرأة المستفتية في صناعة المنظومة الفقهية”، حوصلة عن تجربتها في الفتوى النسائية، منبهة إلى دور المرأة المستفتية والمفتية في بناء المنظومة الفقهية، وموصية بضرورة إيلاء الفتوى النسائية مزيدا من الاهتمام والعناية، وذلك أن أكثر من ثلاثة أرباع المستفتين في القنوات والإذاعات نساء.بينما، استعرض الأستاذ يوسف نواسة، رئيس قسم اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة والمتخصص في الفقه وأصوله وصاحب كتاب (فوضى الإفتاء في الجزائر)، في مداخلته “أهمية الوحدة المذهبية في الفتوى”، جملة من الأصول المنهجية في التعامل مع الفتوى في إطار الوحدة المذهبية، موضحًا ضرورة التزام المذهب الفقهي الواحد، إلا ما اقتضته الضرورات والحاجات التي يرجع فيها التقدير إلى مؤسسة الإفتاء الجماعية. وذلك أن المذهب عبارة عن بناء ونسق ومنظومة متكاملة ومنسجمة من الأصول والفروع، أما اللامذهبية فهي انتقاءات فروعية مضطربة لا تحتكم لمنهج أصولي واحد، ولذلك فهي موقعة في العشوائية وإتباع الأهواء والأمزجة الفردية. فلذلك يقع المفتي اللامذهبي في مخالفة قول نفسه هو بين فترة وأخرى، ناهيك عن مخالفة الأصول الثابتة.وعلى هذا النسق جاءت مداخلة الشيخ محمد سكحال، الباحث برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وصاحب المؤلفات والأبحاث القيمة في الفقه المالكي، بالتأكيد على الالتزام بالمناهج المذهبية، وذكّر جملة من التوجيهات المستفادة من تجربته الطويلة في الفتوى. وأن واقع الفتوى اليوم فيه كثير من التسيب وعدم الانضباط بالقواعد الواجبة، وفي بعض الأحوال لا تكاد تجد في البلد المؤهلين للفتوى على الحقيقة إلا قليلا، ما يبعث على مزيد من القلق على المستقبل إن لم يؤخذ واجب تكوين العلماء والمفتين بالجدية المطلوبة، على غرار تكوين العلماء في الأزهر وفي الزيتونة في القرن الماضي.وختمت هذه الندوة بمداخلة الأستاذة أم نائل بركاني، الأستاذة بكلية الشريعة بجامعة باتنة، والناشطة الاجتماعية الفاعلة في ميدان الدعوة والإرشاد الديني النسوي في ولاية باتنة وغيرها، حيث قدمت خلاصات مهمة متعلقة بفتاوى النساء، لاسيما الفتوى الإعلامية في القنوات والإذاعات، والفتوى الالكترونية في مواقع التواصل، مؤكدة على ضرورة التأهيل الأسري الذي من شأنه تفادي الكثير من الإشكالات التي لا تعالجها الفتوى إلا بعد الوقوع. ويفترض تجنب الوقوع أصلا.يشار إلى أن مؤسسة الأصالة كانت أشارت إلى أن جامع الجزائر يعد مؤسسة مؤهلة للقيام بدور تكوين العلماء، وأن إنشاء هذا الهيكل بمرافقه القيمة يعد مكسبًا يجدر حسن استغلاله في تحقيق هذه الغاية الحضارية التي من شأنها أن تحفظ هوية الأمة واستقلاليتها الدينية والحضارية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات