+ -

 ودعت الجزائر، الأسبوع الماضي، أحد أبنائها البررة العالم الرباني الفقيه المفتي  المدرس المؤلف الكاتب المفسر المناضل العبد الصالح عبد القادر عثماني الإدريسي الحسني الطولڤي، أحد علماء الجزائر ومجاهديها ومصلحيها ومن مراجعها العلمية لا سيما في مجال الإفتاء، شيخ الزاوية العلمية بطولڤة بولاية بسكرة عن عمر ناهز 94 سنة.ولد الفقيد سنة 1348هـ/1929م بمدينة طولڤة، أتم حفظ القرآن الكريم كاملا وهو في سن الحادية عشرة على الشيخ المقرئ مليكي ناجي بن عزوز. وأمّ الناس في صلاة التراويح وهو لا يزال فتى يافعا.نشأ الشيخ عبد القادر في أسرة شريفة شهيرة عريقة في العلم والصلاح، حيث كان والده الشيخ الحاج، يدير زاوية سيدي علي بن عمر ويلقي دروس التفسير فيها، إلى جانب علماء مدرسين آخرين، تلقى الأستاذ عبد القادر دراسته كلها في الزاوية المذكورة.تعتبر الزاوية العثمانية بطولڤة ببسكرة والشهيرة أيضًا بـاسم (زاوية الشيخ علي بن عمر) العَزوزية الخلوتية الرحمانية من أبرز الزوايا التي مازال عطاؤها العلمي والثقافي والتربوي والاجتماعي متواصلا إلى اليوم، بالرغم من التحولات الكبرى التي عرفها المجتمع.وبفضل الزاوية العثمانية؛ عرفت مدينة طولڤة؛ فهي منارها ورايتها وبها اشتهرت في كافة أنحاء القطر الجزائري وخارجه، والزاوية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا الذي نحياه، محجة ومقصد للمريدين والمحبين والزوار من رجال العلم والثقافة والبحث العلمي.درس الشيخ عبد القادر عثماني علوم الفقه والنحو والتفسير والبلاغة والعروض على العالم المتفنن إبراهيم بن الحسن البوزياني ضيف الله الذي كان من كبار شيوخ الزاوية المدرسين. كما تلقى الفقه كذلك والمنطق والفرائض على أخيه الشيخ عبد الرحمان عثماني صاحب كتاب “الدر المكنوز”. وأخذ أيضًا النحو والبيان على الشيخ المفتي العباس عثماني. وتتلمذ أيضا على أساتذة أكفاء آخرين مثل الشيخ المدرس محمد الدراجي والشيخ الشاعر عبد الله بن المبروك عثماني الطولڤي دفين المدينة المنورة.وكان قد حكم عليه بالإعدام إبان الثورة التحريرية، ما جعله يهاجر للمغرب، أين درس في جامع القرويين هناك وتحصل على الشهادة العلمية. وهناك - في المغرب - عمل مسؤولا في جبهة التحرير الوطني، وتولى الإدارة والتدريس في المدرسة الحسنية ببلدة تادلة من شهر نوفمبر 1957 إلى غاية يناير 1961..وبعد عودته إلى الجزائر كان الفقيد عضوا في المعهد الوطني لتأليف الكتب. ثم شغل منصب بوزارة الأوقاف قبل أن يلتحق بالتدريس في ثانوية الإدريسي بالعاصمة، وفي سنة 1972 عاد للزاوية بعد وفاة شيخها أخيه الشيخ عبد الرحمان وتفرغ لإعادة الاعتبار لها. وإضافة عديد المرافق إليها خاصة مكتبتها التي تحتوي على عديد المخطوطات والكتب في شتى الفنون.عمل في الزاوية بجد نادر تم من خلاله مواصلة إقامة الصلوات فيها وتحفيظ القرآن للطلبة وتدريس العلوم الشرعية لهم واستقبال الضيوف والباحثين من شيوخ وأساتذة ومحققين وطلبة جامعيين وغيرهم؛ ويبقون في ضيافة الزاوية حتى يتم لكل واحد منهم هدفه المنشود في مكتبة العائلة العثمانية الزاخرة بأنواع الكتب المطبوعة المفيدة ومختلف المؤلفات المخطوطة المهمة حيث أن الكتب لا تعار ولا تخرج من المكتبة.تولى في سنة 1993 رئاسة المجلس العلمي بنظارة الشؤون الدينية في بسكرة. وفي سنة 1998 عين عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى.ساهم الفقيد في الحركة العلمية والدينية والثقافية برصيد ثري متنوع، كما ساهم في تحرير فصول الكتب المدرسية في مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية لمرحلتي المتوسط والثانوي. كما ألقى محاضرات دينية اجتماعية وثقافية في مناسبات مختلفة وجهات متعددة من الوطن، وكذا فتاوى شرعية كثيرة مخطوطة محررة تحريرا جيدا على المذهب المالكي.للفقيد عدة مؤلفاته، وهي: كتاب “مجموع محاضرات ومقالات وفتاوى”، قام بجمعها الأستاذ عبد الحليم صيد، طبع بمطابع عمار قرفي بباتنة في (256 صفحة) عام 1426هـ/2005م. “تفسير القرآن الكريم”؛ ألقاه مشافهة بمسجد الزاوية بداية من عام 1981م وأتمّه عام 2004م دون أن يقوم تلامذته بتوثيقه وتدوينه أو تسجيله..يشيّد كل من يعرف الشيخ رحمه الله بالخصال الحميدة للفقيد الذي سخر حياته الحافلة بالعمل الصالح لخدمة وطنه ودين الله، ولرسالة العلم والتربية والتعليم وللدعوة إلى الله. كما عُرف بإصلاح ذات البين الذي كان شغله الشاغل؛ فكان ملجأ للأسر والأفراد يصلح بينهم ويحل مشاكلهم بالحكمة ونور البصيرة.نسأل الله تعالى أن يرحمه وينزله مقام المخلصين الصادقين إلى جوار السلف ممن سبقوه إلى الدار الآخرة راضيا مرضيا، ويسكنه الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. إنا لله وإنا إليه راجعون.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات